
بيروت – جان ماري توما
بدأت الأزمة الاقتصادية في لبنان أواخر عام 2019، ومع مرور عام وأربعة أشهر تقريباً، فالحالة تتفاقم سوءاً.
منذ يومين وصل سعر صرف الدولار إلى 9500 ليرة، ما أدى إلى رفع الصوت على الأرض بتحرّكات خجولة. فيبدو أن اللبناني لا يعاني فقط من أزمة مالية، بل من أزمة أمل.
بعد ثورة أكتوبر 2019 واختناق الساحات بالصرخات الحقوقية، تلقى اللبنانيون صفعتين، الأولى فشل الانتفاضات التي لم تحرّك ساكنّاً في الأجواء السياسية، واستمرار تعنّت الزعماء المتشبّثين بكراسيهم منذ أكثر من 30 عاماً، رغم كل الاتهامات بالفساد وبالتبعية الخارجية على حساب الوطن.
أما الصفعة الثانية، فجاءت مع انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 الذي راح ضحيّته أكثر من 200 قتيل و6 آلاف جريح وما يزيد على 300 ألف مشرد. بعد هذه الحوادث المأساوية تلاشى الأمل، وانحصرت ردات فعل المواطنين بتحرّكات خجولة على الأرض وغضب افتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم الضغط النفسي الذي يعيشه السكان يوميّاً، وسط الغلاء الفاحش. فراتب اللبناني بالكاد يكفي المأكل والمشرب.
القبس دقّت أبواب اللبنانيين، وكانت الحال واحدة في جميع المنازل.
الغذاء الأولوية الوحيدة
يقول حنّا أبو شروش وزوجته فريال إن المواد الغذائيّة أصبحت الأولوية الوحيدة في العائلة، فلم يعد هناك مجال للتفكير بشراء ملابس، أو الذهاب إلى نشاطات خارجيّة، مردفَين: «منذ سنة، كنّا نموّل منزلنا لشهرٍ بالمواد الغذائيّة، الاحتياجات اليوميّة وحتّى الوجبات الخفيفة بـ300 ألف ليرة، أما اليوم فندفع 3 ملايين ليرة لتأمين احتياجاتنا الضرورية من السوبرماركت خلال الشهر الكامل».
وأضافا أن هناك أشياء توقّفا عن شرائها بسبب ثمنها مثل «جبنة القشقوان أو القشطة المحلاة مثلاً». وأكملت فريال: «أصبحنا نفضّل الشراء من المتاجر الصغيرة، فهي أرحم قليلاً من السوبرماركات».
أما لور كرم، وهي أُم لثلاثة أولاد، فأكّدت لـ القبس أن هناك منتجات كثيرة استغنت العائلة عنها وسط الغلاء، مضيفة: «بدلاً من شراء نواشف منوّعة أصبحنا نشتري اللبنة فقط. كما أن اختياراتنا للعلامات التجارية الخاصة بالحليب، المعلبات ومساحيق الغسيل التي اعتدنا عليها، تغيّرت».
وأردفت: «منذ سنة تقريباً كانت 300 ألف ليرة كفيلة بتعبئة البراد وخزائن المطبخ شهراً كاملاً، أما اليوم فمليون ليرة لا تكفينا لشراء أغراض لمدة عشرة أيام».
إدوار غضبان، وهو أب لفتاتين، أوضح لـ القبس أنه عندما يقصد السوبرماركت لا يجد البضائع المدعومة من الدولة، وعندما يسأل الموظف عن السبب يجيبه الأخير بأن البضائع المدعومة جرى شراؤها ولم يبقَ منها شيء.
وتابع: «بمشترياتنا تخلّينا عن جبنة القشقوان والمرتديلا، أصبحنا فقط نشتري اللبنة. وبالطبع بتنا نركّز على الأسعار أكثر من العلامات التجارية.. وحتى العلامات التجارية الأرخص تُعدّ أسعارها عالية».
الفاتورة إرهاق نفسي
يكفي أن نقف على أبواب المتاجر والسوبرماركات لنلاحظ الإرهاق النفسي الذي يعاني منه اللبنانيّون: يخرج الفرد من باب المتجر ووجهه شاحب، ينظر إلى الفاتورة مهموماً. فكيف لمواطن راتبه الشهري لا يتعدّى مليوني ليرة في الحالات المتوسطة، أن يخرج حاملاً بضائع لعشرة أيام فقط بقيمة 300 ألف ليرة؟.
القبس دخلت أحد المتاجر في منطقة المتن بجبل لبنان، وفي حديثٍ معنا، أوضحت صاحبة المتجر الغذائي غريس فزع أنها ترفع الأسعار تقريباً كل أسبوع عندما يعلو سعر صرف الدولار، والسبب أنها في اليوم التالي ستشتري من تاجر الجملة البضائع، وفق سعر صرف دولار السوق السوداء، ما عدا البضائع المدعومة من الدولة.
وأضافت فزع أن اللبناني غيّر نمط شرائه، فأصبح ينظر إلى البضائع التي تحمل الأسعار الأرخص، مهما كان نوعها أو علامتها التجارية.
وروت لـ القبس أنه في بداية الأزمة كان الزبائن يتذمّرون. وتابعت: «ما هذه الأسعار؟.. لماذا كل هذا الغلاء؟.. الأمر غير مقبول!».
اليوم اعتاد اللبناني على الغلاء والضيق المالي، وأصبحت ردّة فعله تقتصر على «تصفير» المتفاجئ من الأسعار أمام الرفوف، ووجه تنهشه الهموم.
«المدعوم» محدود ومعدود
فضلاً عن ذلك، عندما تَعرِض السوبرماركات البضائع المدعومة من الدولة، يتحوّل المشهد إلى حالة هرج ومرج، يسرع المواطن إلى شراء بعض مستلزماته الضرورية بأسعار مقبولة، لكن للأسف، هذه البضائع محدودة ومعدودة. لذلك فإن أعداداً قليلة جدّاً من السكان قادرة على الوصول إلى هذه المنتجات.
لنلخّص التباين بين العام الماضي وهذا العام بما يتعلق بالمواد الغذائيّة الأوليّة، إليكم هذه المقارنة:
– عبوة الزيت النباتي كانت بـ12 ألف ليرة أصبحت بـ70 ألف ليرة للعبوة غير المدعومة و40 ألف ليرة للعبوة المدعومة، إذا توّفّرت.
– الحليب – العبوة الوسط – كان بـ6500 ليرة، ليصل في هذه الفترة إلى 28 ألف ليرة.
– معلّبات التونة، السردين أو الفول التي كانت «أكلة الفقير أو وجبة آخر الشهر»، كانت بين 1000 و2500 ليرة، لترتفع الأسعار في الفترة الماضية إلى 4000 و7500 ليرة.
– ظرف القهوة لكوب واحد، فكان ثمنه 250 ليرة ليصبح اليوم – إن توفّر- 1500 ليرة.
– عبوة اللبنة التي هي حاليّاً أرخص النواشف، أصبحت بـ14 ألف ليرة بعد أن كانت بـ4500 ليرة.
رهينة دولار السوق
المشهد التجاري اللبناني رهينة الدولار، هذا الأخير لن يدوس على المكابح إلّا مع حلول سياسيّة، فالدولة، منذ أغسطس، وهي تعمل وفق تصريف الأعمال، بعد استقالة حكومة حسان ديان، عقب انفجار المرفأ. ومنذ أشهر، واللبناني يتلقّى وعوداً متناثرة في الهواء، بتشكيل حكومة، من دون رؤية أي تقدّم ملموس، فقط تصريحات هجوميّة واتهامية بالمماطلة، يتقاذفها الزعماء. وبالطبع لن تتلقى الدولة أي مساعدات إن لم تُشَكَّل حكومة إنقاذ.
نسبة الفقر في لبنان ازدادت إلى %55 أمّا نسبة الفقر المدقع فتخطّت الـ%22.. و«الحبل على الجرّار» إن لم يتوقّف سعر صرف الدولار عن الارتفاع، فاللبناني الذي كان من الطبقة المتوسطة أصبح يقف منهكاً على خطّ الفقر، فما حال من كان – إذا حظي بعمل خلال اليوم – يستطيع شراء ربطة خبز فقط؟