تحليلات

روسيا وأوروبا.. متباعدتان أكثر من أي وقتٍ مضى

علي حمدان –

بالرغم من ازدياد التأزم في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا منذ العام 2014، استطاعت أوروبا الحفاظ على حد أدنى من التعاون مع موسكو، فقيام الاتحاد الأوروبي بفرض العقوبات على الكرملين عقب أزمة أوكرانيا قابله اللوبي الفرنسي والألماني ورجال الأعمال الأوروبيين الذين عملوا على ترميم علاقات القارة مع القيصر، لكن الأمور وصلت إلى حائط مسدود بين الطرفين مؤخراً وللمرة الأولى منذ أعوام، بحسب كارنيغي أوروبا.

تمايز الإتحاد الأوروبي عن واشنطن في علاقته مع روسيا آيل إلى التماثل معها، بعد التراجع الغير مسبوق في العلاقة بين برلين وموسكو أولاً، وقد أثرت حادثة تسميم المعارض السياسي أليكسي نافالني الذي تلقى العلاج لأشهر في ألمانيا قبل عودته إلى بلاده حيث تم اعتقاله، على العلاقات بين البلدين، على صعيد آخر وبعد مساهمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في تسطيح علاقة واشنطن بالعواصم الأوروبية، يطل بايدن الساعي إلى توطيد العلاقات مع الإتحاد الأوروبي بغية تكوين جبهة ضغط جديدة على روسيا.

مشكلة الاتحاد الأوروبي تكمن في رغبته بروسيا أوروبية تابعة لا شريكة، فيما تريد موسكو اتحاداً أوروبياً حراً ومستقلاً برئاستها، كيف لا وهي الدولة الأكبر من حيث المساحة وعدد السكان، والأغنى بالثروات الطبيعية، وبعد ثلاثة عقود على انتهاء الحرب الباردة، أدى تمسك الأخيرة برؤيتها وتشبث الإتحاد الأوروبي بسياسته إلى الوضع الحالي.

شكل العلاقة الحالية بين بروكسيل وموسكو يذكر بالمرحلة الممتدة بين العام 1940 و1980؛ التراشق الخطابي والتوتر العسكري، وتراجع التعاون الاقتصادي وبث الحياة في عروق الخلايا الاستخباراتية بينهما بالإضافة إلى احتدام النقاش العام حول انتهاك موسكو لحقوق الإنسان والحريات سواءً في الداخل أو من خلال دعمها للوكاشينكو في بيلاروسيا وعلييڤ في أذربيجان وغيرهم من الدكتاتوريين في المحيط الأوروبي وخلف البحار.

على صعيد آخر، تشكل الطلعات الجوية لحلف شمال الأطلسي والقوات الروسية عامل توتر مستجد لاسيما في مياه البحر الأسود وبحر البلطيق؛ تحليق طائرات الناتو على مقربة من شبه جزيرة القرم أو في مناطق نفوذ بوتين باتت مصدر قلق متزايد مؤخراً.

من جهة آخرى، قد يؤدي خروج واشنطن من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى إلى نشرها لمنظومات صواريخها الدقيقة في أوروبا مستقبلاً والتأسيس لأزمة جديدة مع موسكو.

سياسياً، تشكل مسألة انتقال السلطة في روسيا نفسها، لاسيما بعد إقدام فلاديمير بوتين على تعديل الدستور في العام 2020 بشكل يتيح له البقاء في سدة الحكم الى الأبد، عنوان الأزمة مع جيرانه الأوروبيين الذين سيلجأون الى تكثيف ضغوطهم لاسيما بعد ترؤس بايدن للولايات المتحدة الأميركية وسعيه للعمل المشترك مع بروكسيل للتصعيد ضد الكرملين قبيل الإنتخابات الرئاسية الروسية في العام 2024.

روسيا وأوروبا متباعدتان أكثر من أي وقتٍ مضى، والتباينات الراهنة تعزز طلاقهما سياسياً وأيديولوجياً واقتصادياً. العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي منذ العام 2014 على الكرملين لم تجدي نفعاً، وأي عقوبات مقبلة ستبقى عقيمة ما لم تطال حرمان موسكو من الإستفادة من نظام سويفت المالي العالمي. من المرجح أن يشهد مستقبل العلاقات بين الطرفين تعاوناً إقتصادياً محدوداً، بالإضافة إلى التعاون البحثي والثقافي والإنساني فقط، مع حرص موسكو الدائم على الحفاظ على ما تيسر من علاقاتها الثنائية التاريخية مع كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

العلاقات الأوروبية-الروسية عادت بحسب الخبراء إلى المربع الأول، أي إلى حقبة الحرب الباردة، ويعود معها النفوذ الأميركي ليحدد بوصلة علاقات الغرب عموماً مع روسيا، وبانتظار تبلور منحى الأمور بين موسكو وواشنطن جيوسياسياً وعسكرياً، بإمكان الإتحاد الأوروبي التنسيق مع الكرملين على الصعيدين الصحي والمناخي، فروسيا أذهلت أوروبا والعالم بفعالية لقاحها المضاد لفيروس كورونا مؤخراً، وتنظر الإدارة الروسية إلى المسألة المناخية بجدية قصوى نظراً لتأثير الإحتباس الحراري على النظم الإيكولوجية في سيبيريا وغيرها من المناطق الروسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى