
بيروت -علي حمدان
شكلت «تجارة الثلج» مصدر دخل رئيسا للبنانيين منذ مئات السنين؛ إذ دأب سكان جبل لبنان على تقطيع المتساقطات الثلجية إلى مكعبات تُلف بالصفائح الخشبية والقش وتحفظ في بيوت حجرية خاصة قبل نقلها خلال أشهر الصيف إلى بيروت وطرابلس وصيدا ودمشق وحمص وغيرها من المدن لبيعها في الأسواق بأسعار عالية بعد خلطها مع السكر وعصائر الفاكهة المركزة.
«الثلج بترول لبنان»، بهذه الكلمات يصف وسيم مهنا مختار بلدة كفرذبيان السياحية بامتياز الضيف الأبيض، في منشوره الفيسبوكي، الذي ناشد فيه وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي السماح لأصحاب مدرجات التزلج باستقبال محبي الرياضات الثلجية مع التشديد على الالتزام الكامل بالإجراءات الوقائية الرامية إلى الحد من تفشي فيروس كورونا.
«كفرذبيان تعتاش بشكل أساسي من الثلج صيفاً وشتاءً»، يقول مهنا لـ القبس مستهلاً حديثه بالكلام عن ابن بلدته، بائع «عرانيس» الذرة المشوية للسياح في موسم التزلج، الذي يدخر خلال شهرين ما يكفيه لإعالة زوجته وأبنائه طوال العام. يودّ مهنّا إخبارنا أن خير الموسم لا يقتصر على أصحاب الحلبات فقط، فـ%75 من عائلات المنطقة تضم شخصاً واحداً على الأقل يعتمد على الثلج بشكل مباشر لوضع الخبز على مائدته نهاية كل يوم، بدءاً بالمزارعين، الذين يستبشرون خيراً كلما تراكم البياض، فشجرة التفاح تسعد بالثلج، بحسب مهنّا، وكذلك نبعا اللبن والعسل، الرافدان من «عطايا الرب»، التي كست مرتفعات بلدتي كفرذبيان وفقرا بغزارة هذا العام، واللذين يرويان بساتين الجبل صيفاً، ويمدان منازل منطقة كسروان بمياه الشفة طوال العام، وصولاً إلى أصحاب حلبات التزلج والفنادق والشاليهات والمطاعم ومحال بيع مستلزمات التريّض الثلجي وغيرها، الذين يعتمدون بشكلٍ رئيس على ثلوج فبراير لجني المال.
لبنان مريض
«لبنان مريض، والفيروس أصابه في مقتل»، يقول وزير السياحة السابق ونائب المنطقة فريد هيكل الخازن لـ القبس، مشيراً إلى حيوية موسم التزلج بالنسبة لمنطقة كسروان الجبلية، ومبدياً أسفه حول ما حلّ بالمئات من مدربي التزلج وغيرهم من أصحاب محطات الوقود والأفران والفنادق وسائقي سيارات الأجرة ومدبرات المنازل والحراس وغيرهم.
«دورة اقتصادية متكاملة تعطلت، في الدول المزدهرة يسهل تجاوز هكذا أزمات، لكن في لبنان النهب وسوء الإدارة والفساد الأمر مختلف»، أكمل الخازن، الذي أثنى على جهود اللجنة الوزارية، التي تسعى إلى الموازنة بين مصلحة الناس الاقتصادية والسلامة العامة، واستطرد قائلاً إنه «لا يسعنا مطالبتها باتخاذ القرارات جزافاً من دون الاستناد إلى معطيات علمية».
العام الأسوأ
من جهته، وصف عصام مبارك صاحب أحد متاجر بيع أدوات التزلج العام الحالي بـ«الأسوأ على الإطلاق»، فالانهيار المالي وتلاشي الموسم السياحي بسبب الظروف السياسية والصحية أعدما محال بيع المستلزمات الرياضية، التي تعتمد على السياحة الشتوية لتحقيق ما يقارب الـ%80 من أرباحها السنوية، على حد قوله. «أتوقع لجوء الكثير من أصحاب المحال إلى إقفال مؤسساتهم بعد خسارتهم لودائعهم في المصارف وللموسم المنتظر، ولا يمكن للدولة أن تقدم لنا المساعدة في الوقت الذي تنتظر فيه من يساعدها»، يقول مبارك، الذي تكلم بهدوء يشوبه الكثير من الحزن عن إمكانية فتح منحنيات التزلج أمام محبي هذه الرياضة مع حرص القيمين على إدخال أعداد قليلة إلى المدرجات والتشديد على ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي. «لا يتعارض التزلج مع الإجراءات الوقائية، فبإمكان الرواد الاستمتاع بالرياضة في الهواء الطلق من دون تقارب»، قال مبارك.
الميسورون والكادحون
في هذا السياق، أشار مختار البلدة إلى تقديم خطة متكاملة لوزير الداخلية والجهات المعنية تراعي الإجراءات الاحترازية، التي تفرضها الحكومة لاحتواء الجائحة، مشيراً إلى أن رياضة التزلج هي رياضة الميسورين، وهم قلة في لبنان في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، بحسب مهنا، الذي توقع إقبالاً خجولاً للمتزلجين هذا العام في حال قررت اللجنة المعنية الموافقة على فتح المدرجات. «الرواد من الميسورين، لكن المستفيدين من الكادحين، نطالب بالسماح لنا باغتنام الفرصة للاستفادة من الثلوج، التي انهمرت بغزارة هذا العام من باب الرحمة والمنطق معاً، فالحلبات لن تشهد اكتظاظاً، والمرتادون لن يتخطوا المئات، على عكس الأعوام السابقة التي شهدت توافد الآلاف من الزائرين العرب والأجانب موسمياً»، يقول مهنا، الذي استفاض بالحديث عن معاناة الأهالي من الغلاء الفاحش وتقلص قدرتهم الشرائية وحزنهم الشديد لرؤية خطوط التلسياج فارغة للمرة الأولى.