لبنان «جمهورية سليماني».. بحكم الأمر الواقع
صور قائد فيلق القدس السابق في كل مكان.. وغضب على مواقع التواصل

بيروت ــــ أنديرا مطر –
لبنان في عين العاصفة الإيرانية المقبلة، انتقاماً لقائد فيلق القدس في حرسها الثوري قاسم سليماني. وبعد تباهي الحرس الثوري بأن لبنان هو حائط الصد الأول لإيران في صراعها مع اسرائيل، لم يجاهر أحد في الحكومة اللبنانية برد فعل، سوى ما صدر عن رئيس الجمهورية من تغريدة يتيمة هزيلة تقول إنه «لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه، وحرية قراره». في حين توالت المواقف المنددة بتصريحات قائد القوات الجوية في الحرس الايراني علي حاجي زاده، من سياسيين وإعلاميين، وحتى فنانين، طالبوا برد رسمي على المسؤول الايراني، معتبرين ان كلامه يجسّد رؤية ايران للبنان، بلد رهين يُستخدم شعبه دروعاً بشرية في معركة، لا علاقة له بها.
وكان حاجي زاده، قال إنّ «كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة». وتابع مهدّداً: «لدينا أمر عام من المرشد، علي خامنئي، بتسوية حيفا وتل أبيب بالأرض، في حال ارتكبت أي حماقة ضد إيران، وعملنا طيلة السنوات الماضية لنكون قادرين على ذلك».
وحده «حزب الله» جاهر بتسليم البلد لنظام إيران، والمجاهرة بدت جلية في شوارع لبنان، من شماله إلى جنوبه، مروراً بالبقاع.
فبالتزامن مع الذكرى الأولى لاغتيال سليماني وابومهدي المهندس، نشر «حزب الله» صورهما في شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، وعلى طول طريق المطار القديم، كما قام الحزب برفع صور عملاقة لسليماني بالقرب من السياج التقني في الجنوب.
وفي منطقة الغبيري في الضاحية، وضعت اللمسات الأخيرة على تمثال لسليماني، سيرفع خلال يومين. وقد أثارت الصور المتداولة للتمثال جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، مستنكرين وضع تمثال لقائد عسكري ايراني في بيروت!
وجنوباً، أزاح «حزب الله» الستار عن نصب تذكاري لسليماني عند مدخل بلدة عربصاليم.
والمثير للاستغراب ان يلجأ «حزب الله» إلى ثقافة نصب التماثيل.
مهرجان «حزب الله» التكريمي لسليماني توّج بكلمة للأمين العام حسن نصرالله، بعد احتفال أقيم في «حديقة طهران» على الحدود الجنوبية، أعلن فيه عن تخريج دفعة من المقاتلين «المرفعين إلى صفوف التعبئة العامة» في الحزب، وأطلق عليها اسم «دفعة قاسم سليماني»، التي أدت القسم تحت رايات حملت صور سليماني والمهندس، وعماد مغنية.
كما أحيت ما يسمى «السرايا اللبنانية للمقاومة» ذكرى «شهادة قادة النصر» كما أسمتهم، برفع الراية في منطقة الحمامص مقابل مستوطنة «المطلة» القريبة من الحدود اللبنانية، وقد تابعت اسرائيل هذا الامر، معلنة «المطلة» منطقة عسكرية مغلقة. ونفّذ الجيش الإسرائيلي انتشارا، تحسّباً لأي طارئ، في حين تواجدت في المكان قوات من «اليونيفيل» لمراقبة الأوضاع.
في المقابل، أقدم مجهولون على الاعتداء وإحراق صورة سليماني على طريق عام بريتال في البقاع، وهي بلدة الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي.
موقفان بتغريدتين
موقفان بتغريدتين خرقا الجمود السياسي المخيم على البلاد والمستمر منذ ما قبل فترة الأعياد. الاولى لرئيس الجمهورية ميشال عون، واعتبرت رداً غير مباشر على تصريحات علي حاجي زادة أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، وأخرى لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تناولت الملف الحكومي ورأى فيها البعض دعوة الى سعد الحريري للاعتذار عن تشكيل الحكومة.
فبعد 24 ساعة على تصريح لحاجي زادة أكد فيه أن «غزة ولبنان هما الخط الامامي لمواجهة إسرائيل»، رد رئيس الجمهورية قائلاً بأنه «لا شريك» للبنانيين في حفظ سيادة واستقلال وطنهم. غير ان عون لم يشر صراحة إلى تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني.
موقف لفظي.. لرفع العتب
هذا الرد الرئاسي المقتضب استدعى بدوره ردوداً من نواب ووزراء، حاليين وسابقين، رأوا أن موقف عون أتى هزيلاً «وكأنّه رفع عتب مقابل التصريح الفاجر للحرس الثوري»، وفق النائب السابق بطرس حرب الذي دعا عون الى تسمية الأمور كما هي ورفضه بكل جرأة تحوّل لبنان منصّة للمخططات الايرانية وأداة مواجهة لها، مطالبا إياه باستدعاء السفير الايراني لمساءلته.
وفي تصريح لـ القبس رأى الوزير السابق اللواء أشرف ريفي أنه من البديهي ان يرد رئيس الجمهورية على كلام قائد الحرس الثوري الايراني، ولكن من غير المقبول ان يقتصر هذا الرد، الذي تجنب فيه عون تسمية ايران على الموقف اللفظي. واعتبر ريفي انه يفترض برئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور والسيادة ان يستخدم صلاحياته لوقف هذا الانتهاك الايراني، فهذا الموقف «المائع» وغير الكافي يكرس ويشجع ايران على المزيد من انتهاك لبنان.
وصوّب ريفي على السلاح غير الشرعي «الذي عطل لبنان لانتخاب عون رئيساً» لأنه جزء لا يتجزأ من مشروع ايران وهيمنتها على قرار لبنان، وبالتالي لا خلاص للبنان الا بتكليف الجيش والقوى الامنية والعسكرية الشرعية وحدها حفظ سيادة لبنان ونزع سلاح الميليشيات الايرانية.
بدوره، توجه الوزير ريشار قيومجيان لعون بالقول «عهدك تحوّل إلى نموذج ايراني آخر كالحوثي في اليمن، والمالكي في العراق، وبشّار في سوريا».
رياح المواجهة
حكوميا، لا تزال عملية تأليف الحكومة في الثلاجة، من دون تسجيل أي مستجد في ظل استمرار الخلافات بين رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف، بانتظار عودة الحريري من اجازته العائلية. وفي ظل عجز السلطة عن تحقيق اي تقدم، سياسياً واقتصاديا وصحيا، برز تصريح لافت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يؤكد استحالة التوافق السياسي في هذه الظروف، حيث «رياح المواجهة تهب من كل مكان»، وفي دعوة ضمنية لحلفائه للبقاء خارج الحكومة، سأل جنبلاط: «أليس من الافضل ان يتحمل فريق الممانعة مسؤولية البلاد مع شركائه ولماذا التورط في المشاركة حيث لا قرار لنا بشيء؟».
وعما اذا كان موقف جنبلاط دعوة للحريري للاعتذار، قال النائب بلال عبدالله لـ القبس ان جنبلاط في تصريحه هذا يحمل المسؤولية لمن وضع البلد رهينة التجاذبات الدولية والاقليمية في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي المدمر. مكتفيا بالقول «الحريري يقرر المناسب له».