تقارير

«صواريخ لبنان خطّنا الأمامي»… جملة أشعلت حرب كلاميّة شعبيّة!

جان ماري توما-

عشيّة ذكرى مقتل قاسم سليماني، تفاخر قائد القوات الجويّة في الحرس الثوري الإيراني علي حاجي زادة، بحلفائه الإقليميّين وأكّد أنّ صواريخهم جاهزة لمقاومة أي عدوان على إيران.

«كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية، تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة»؛ إقحام لبنان بتوتّر عسكري هو في غنى عنه، لم يبدأ عند هذا التصريح. فحزب الله اللبناني، سبق وجعل من لبنان طرف لا يتجزّأ من المحور الإيراني، على الرغم من الأصوات الداخليّة المندّدة بالتدخّل والداعمة للحياد.
لكن هذه الجملة كانت القطرة التي أفاضت الكأس، فاشتعلت حرب كلاميّة حادة في الداخل اللبناني.

في ظلّ، إختناق إقتصادي وإجتماعي لم يشهد له مثيل تاريخ الدولة، وتدهور صحيّ كارثي ابتداءً من انتشار كورونا وصولًا إلى إنهيار القطاع الطبي، وانفجار مرفأ هدّم البشر والحجر، لبنان ليس إلّا جسدًا يتألّم في غيبوبة طويلة، ممكن أن تُنزع عنه أجهزة التنفس الصناعي في أي وقت، فيُعلَن موته أو إن صحّ القول، نجاح إغتياله.
«سيادة، حريّة واستقلال»، شعار تغنّى به اللبنانيّون منذ بدء الدولة، ولكن جزء من الشعب يعتقد، أنّه لم يبقَ من هذا الشعار إلّا السيادة، التي تُنتهك جوًّا وبحرًا، أسبوعيًّا، وأحيانًا يوميًّا من قبل إسرائيل.
بالتالي، تصريح القائد في الحرس الثوري الإيراني، جعل مِن مَن يريد حماية ما تبقّى من السيادة اللبنانيّة، يكشّر عن أنيابه ويفرز ما في داخله من غضب. لتبدأ حرب كلاميّة، تظهر مدى الإنقسام الداخلي اللبناني.

المشهد اللبناني: بين التمسّك بالسيادة المتبقّية وولاء للمقاومة الداعمة لإيران
القبس دخلت الشارع اللبناني وتنقل إليكم الآراء المتباينة:

وليد بيساني، يعتقد أنّ إيران لا تنفكّ عن التدخّل في شؤون لبنان، و«هناك ميليشا تابعة لها تريد أن تسيّر الوضع، كما ترغب… أنا كلبناني، أشجّع الحياد الكامل عن صراعات الشرق الأوسط، لأنّ لا ناقة لنا فيها ولا جمل، كما انّ وضعنا الإقتصادي، الإجتماعي، السياسي والصحي لا يتحمّل أي هزّات أمنيّة مقبلة من خارج الحدود. لا شأنا لنا لا في إيران ولا الولايات المتحدة…يكفينا ما حدث لنا في السنوات الماضية، لدينا الكثير الأمور للتفكير بها قبل أن نستخدم صواريخ من الأراضي اللبنانيّة تجاه أي عدوّ أو أي دولة أخرى».
وفي السياق نفسه، أشار داني عبود إلى أنّ تصريح القائد في الحرس الثوري، بمثابة تأكيد على أنّ لبنان رهينة وتحت سيطرة السلاح الإيراني، الذي لا يأبه للمصلحة اللبنانيّة، وتابع، «التصريح الإيراني، يمثّل خرق للسيادة اللبنانيّة ولا يختلف عن الخرق اليومي للعدوّ الصهيوني.. وواجب على كل من يهمّه مصلحة لبنان رفع الصوت في وجه هذا التمادي في استعمال لبنان ورقة في حروب الغير، ما يشكّل ضربة جديدة لمصالح اللبنانيّين وأعمالهم في الخارج».
وكلام المواطنة فرح حنّا لا يتعارض مع عبّود، وتساءلت ما الفرق بين الكيان الصهيوني وإيران إن كان الطرفان يريدان انتهاك السيادة اللبنانيّة؟ وأكملت «نحن لا علاقة لنا بمعاركهم».

في المقابل
يرى المواطن، د.ط، أنّ هذا الموضوع أخذ ضجّة مبالغ بها، فوجود المقاومة أمر واقع منذ زمن، وتابع قائلًا أنّ «شرعيّة المقاومة مكتسبة منذ سنوات من قبل حكومات سابقة، ويُعترف بها في البيانات الوزاريّة الرسميّة المتعاقبة، التي تتضمّن عبارة: جيش شعب ومقاومة». وأكمل أنّ لا يمكن لأحد أن ينكر الخطر الذي يمثّله الكيان الصهيوني، وأنّ البلد يحتاج للمقاومة وهذا حقّ للشعب، للدفاع عن أرضه. وأضاف، مؤكّدًا أنّ «اليوم الذي يوقّع فيه لبنان سلامًا مع اسرائيل، ويكون هناك اتّفاق نهائي على عدم خرق سيادة الأراضي، هنا فقط تبطل مهام المقاومة».

ومن جهّته، لا يعتبر أيمن سلمان، وهو مسؤول في «حركة أمل»، أنّ تصريح قائد القوات الجوية الإيرانية، علي حاجي زادة، يمثّل أي انتهاك للسيادة اللبنانية، لأنه لا يُعبّر إلا عن واقع المقاومة اللبنانية، وهذا الّذي قاله سماحة السيد حسن نصر الله، حيث أكّد وبكل بساطة، بأن كل هذه الصواريخ من 1986 إلى حد الآن هي ايرانية الصنع و سورية الإستخراج. مما لا شك فيه بأن تحريف تصريح الحج امير زادة أدى إلى ردة فعل سلبيّة لدى الشارع اللبناني، حيث أن التصريح كان واضح بأن لبنان وغزة هما الخط الأمامي لمواجهة اسرائيل، و ليس كما قيل عبر الإعلام أن لبنان و غزة هما «لنا» الخط الأمامي لمواجهة اسرائيل. وتابع، «لنقطع الشك باليقين، الحزب لا ينكر أبداً بأن تمويله العسكري والإقتصادي هو ايراني الصنع، فلماذا ردة الفعل هذه في هكذا توقيت؟ بالنسبة لنا لا يُعتبر تصريح الحج زاده أي انتهاك للدولة بل واقع حقيقي و لكن بالنسبة للبعض واقع مرير يجب إلغاءه».

أمّا المواطن، سامر عزّ الدين، يرى أنّ الإعلام يحرّف الكلام السياسي والخطابات، من أجل غايات خبيثة. وتابع مؤكّدًا أنّ «لطالما كان لبنان الخطّ الأمامي الدفاعي عن سيادة لبنان بوجه الأطماع الإسرائيليّة». وأكمل أنّ ليس غريبًا على أصحاب الفتنة، إستثمار أي كلام مجزّأ لمصلحتهم السياسيّة، و«ربّما لأنّ الدولار السياسي، في هذه الأيام،  قدّ شحّ في السوق، لذلك في الإمتحان يكرم المرء أو يهان».

الإنقسام في أوجّه
مثّلت مواقع التواصل الإجتماعي ساحة معركة بين الطرفين، حتّى أنّ الوسط الفني اللبناني دخل في الصراع، يكفي أن نضع في خانة البحث على تويتر: «صواريخ لبنان» أو «ذكرى سليماني»، لنرى التباين الشعبي على الساحة اللبنانيّة.
كما، غصّت المناطق التي يسكنها مؤيّدو المحور الإيراني، بصور قاسم سليماني، وعلت الشعارات الداعمة لإيران. وكأنّ الأرض اللبنانيّة انقسمت إلى دويلات.

نذكّر أنّ الرئيس اللبناني ميشال عون غرّد يوم الأحد، قائلًا: «لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره». ومن الواضح أنّ هذه التغريدة جاءت ردًّا على تصريح القائد في الحرس الثوري الإيراني. مع العلم أنّ عون هو حليف أوّل لحزب الله منذ السادس من شباط 2006، بعد توقيع ورقة تفاهم بين أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله ورئيس تيار الوطني الحرّ آنذاك، ميشال عون.

يوميًّا يعيش لبنان صراع جديد يتنقّل على مستويات وبين قطاعات. والخسائر عصيّة على الإحصاء. الشعب اللبناني مهدّد بالفقر الجماعي، إن رفعت الدولة الدعم على المواد الأساسيّة، واليوم بعض التصاريح تضع الأرض اللبنانيّة تحت وطأة توتّر أمنيّ.
وأخيرًا، إن ظلّت الدولة من دون حكومة فالآتي أعظم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى