إيران تلاعب بايدن.. بطريقة قد ترتدّ عليها
احتجاز سفينة والتخصيب بدرجة 20% سيجران تبعات مكلفة

خالد جان سيز-
هل أخطأت إيران المعروفة تاريخياً بحنكتها ودهائها في التفاوض بقراءة السياسة التي سيعتمدها الرئيس الأميركي المنتخَب جو بايدن إزاء الاتفاق النووي؟ وهل استهانت بقدرة بايدن فرسمت صورة وردية لمواقفه المقبلة منها، متأثرة بحديثه عن استعداده للعودة إلى الاتفاق، ولائذة بهذه الفرصة بعد سنوات من الضغوط التي أرهقها بها دونالد ترامب؟
ما يدفع إلى هذه التساؤلات هو مواقف إيران في الفترة الأخيرة، فقد عكست افتقاراً للرؤيا الإستراتيجية واكتفاءً بالشعارات، لا بل قد تكون بلغت درجة تضرّ بمصالح إيران نفسها، إذ إنها تصعّب مهمّة بايدن بدلاً من تمهيد الطريق أمام مبادرته التي تحتاجها طهران.
افتقار إيران لأدوات الرد على اغتيال قاسم سليماني القائد السابق لـ «فيلق القدس» ولفخر علمائها النوويين محسن فخري زادة أحرجها أمام شعبها. لقد صرفت وقتاً طويلاً في الوعيد والتهديد، ومرّت ذكرى سليماني من دون انتقام. إيران الرازحة تحت وطأة العقوبات، والمرهقة من جائحة «كورونا»، والمخنوقة مالياً، عاجزة عن الرد.
إذاً ماذا تفعل؟ ربما تعود إلى استخدام بعض الأوراق القديمة التي اعتادت على اللجوء إليها وقت الأزمات. انتهاكات الاتفاق النووي مثلاً. حيث أعلنت على لسان علي ربيعي الناطق باسم حكومتها شروعها بضخ الغاز إلى أجهزة الطرد المركزي في منشأة «فوردو» جنوبي طهران، لتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى %20، وهو مستوى تخصيب بلغته قبل توقيع الاتفاق النووي.
الخطوة تنفيذ لقانون أقره البرلمان بعنوان «الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات الأميركية» خلال الشهر الماضي.
لكن حكومة الرئيس حسن روحاني اعتبرت سابقاً أن «القانون ليس في مصلحة البلاد، وأنها لم تُستشر بشأنه»، ووجهت له انتقادات، إلا أن ربيعي أكد أن ذلك لا يعني عدم تطبيقه لأنه «بات ملزماً».
جدوى الخطوة
إن رفض الحكومة للقرار يطرح تساؤلاً حول جدواه، وماذا أراد البرلمان الذي تسيطر عليه غالبية محافظة من ورائه.
القانون، بصريح العبارة، يعني الانسحاب من الاتفاق النووي، إذ إنه يُلزم الحكومة الإيرانية بتنفيذه بعد شهرين، وينصّ على خطوات نووية تنهي هذا الاتفاق، مثل إلزام الحكومة بإنهاء العمل وفق البروتوكول الإضافي الأممي الذي تعهدت بموجبه طهران «طوعاً» بإخضاع منشآتها لـ«رقابة صارمة» من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى %20 أو أكثر منه، «إذا استدعت الضرورة».
وتعني مهلة الشهرين التي منحها البرلمان الإيراني لبقية أطراف الاتفاق النووي لتنفيذ تعهداتها ورفع العقوبات، أن هذا القانون ورقة ضغط إيرانية على هذه الأطراف لإجبارها على الامتثال لمطلب إلغاء العقوبات الشاملة والتاريخية قبل التوجه نحو «اللاعودة» في برنامجها النووي.
بهذا المعنى نفسه، فهمت أوروبا الخطوة الإيرانية الجديدة، فقد قال الناطق باسم مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بيتر ستانو إن أوروبا تعتبر تحرك إيران «خروجاً واضحاً» عن التزاماتها وفق الاتفاق «ستكون له عواقب وخيمة على عدم انتشار الأسلحة النووية».
محاولة يائسة
الخطوة تصعيد إيراني في الملف النووي، ومحاولة للعودة بالأنشطة النووية إلى مرحلة ما قبل التوصل إلى الاتفاق، لكنها تصعّب مهمة بايدن وتورّط طهران.
بايدن سيفاوض، لكن بشروط. ستجد طهران نفسها قريباً مضطرة للتخلي عن تلك الخطوة وكل ما سبقها من انتهاكات للاتفاق، بل وسيُطرح برنامجها الصاروخي للتفاوض.
هذا ما أكده مرشح بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي الأميركي في الإدارة المقبلة جيك ساليفان، حيث ربط عودة واشنطن إلى الاتفاق بعودة طهران إليه عبر الالتزام المجدد بتعهدات نووية أوقفتها، فضلاً عن تأكيده على ضرورة إخضاع البرنامج الصاروخي الإيراني للتفاوض.
وبناءً على هذه المعطيات، بدا أن إيران تتخذ مواقف تضغط على بايدن لدفعه نحو اتخاذ مسار مغاير لمسار ترامب، وصرفه والدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الشريكة في الاتفاق، عن المطالبة المتكررة بضرورة التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي وسياساتها الإقليمية.
إسرائيل قابلت الخطوة الإيرانية بالتأكيد على أنها لن تسمح لإيران بإنتاج أسلحة نووية، حيث قال رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو: «قرار إيران بمواصلة انتهاك التزاماتها ورفع مستوى التخصيب وتعزيز القدرة الصناعية لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض لا يمكن تفسيره بأي طريقة سوى تحقيق المزيد من النية في تطوير برنامج نووي عسكري». وأضاف: «إسرائيل لن تسمح لإيران بإنتاج أسلحة نووية».
لكن السؤال الأبرز: هل ستتجاوب إدارة بايدن المقبلة مع متطلبات هذا التصعيد الإيراني، أو أنها والأطراف الأوروبية ستذهب باتجاه تصعيد مماثل عبر الإصرار على طرح البرنامج الصاروخي الإيراني في أي مفاوضات محتملة، وتشكيل إجماع عالمي ضد إيران، فشلت إدارة ترامب فيه؟
ربما تصل الأمور إلى مرحلة يجد فيها بايدن نفسه مضطرا لاستخدام القوة ضد إيران في اليوم الأول من ولايته، كما ذكرت مجلة «بوليتيكو» قبل يومين.
احتجاز سفينة
وأعلن الحرس الثوري أن السفينة التي احتجزها، تحمل اسم «هانكوك»، وتحمل 7200 ليتر إيثانول، وكانت تقل بحّارة من كوريا الجنوبية، وأندونيسيا، وفيتنام، وميانمار.
ونقلت السفينة إلى ميناء بندر عباس على الخليج، لتشكيل ملف قضائي بحقها، واحتجز البحارة الذين كانوا على متنها.
وتم احتجاز السفينة بطلب من مؤسسة الموانئ والملاحة الإيرانية، وبحكم من محكمة محافظة «هرمزغان» بتهمة انتهاك قوانين البيئة البحرية.
يشار إلى أن هناك توتراً في العلاقات بين كوريا الجنوبية وإيران، على خلفية احتجاز كوريا أموالا إيرانية مجمدة، ورفضها تسليمها إلى طهران، امتثالا للعقوبات الأميركية.
وكان محافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي قال، الأسبوع الماضي: إن «كوريا الجنوبية تحتجز 7 مليارات دولار، وتطالب طهران بتكلفة لاحتجازها».
بدورها، قالت ريبيكا ريباريتش، الناطقة باسم الأسطول الخامس للبحرية الأميركية إن قيادة الأسطول على علم بالموقف، وتراقبه.
ويشمل المشروع 16 مادة، تحت اسم «رد إيران بالمثل»، كإجراء للرد على اغتيال سليماني، وحدد «شروط التفاوض مع واشنطن، ودعم حلفاء طهران». ويمنع المشروع «أي مفاوضات مع الولايات المتحدة حول القضايا غير النووية».
ويلزم الحكومة «اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تؤدي إلى القضاء على إسرائيل بحلول مارس عام 2041».