
محرر الشؤون الدولية
أصبحت ولاية جورجيا هي الحدث الأميركي الأبرز في بداية عام 2021، وقد يكون للحسم فيها اليوم تأثير يمتد على السنوات الأربع المقبلة، لجهة تسهيل أو تصعيب مهمة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
في حين تبقى الأنظار على «الأربعاء الحاسم»، حين يصادق الكونغرس في إجراء تقليدي على فوز بايدن، في حين يصر الرئيس دونالد ترامب على تأجيج الشارع، طالبا من أنصاره النزول بقوة في واشنطن، وسط خشية من افتعال أزمة أمنية، قد تنتهي بسقوط قتلى، ما يدفع ترامب حينها إلى «استخدام قانون حالة الأحكام العرفية والطوارئ، والطلب من الجيش النزول للسيطرة على الأوضاع»، وهو سيناريو حذر منه 10 وزراء دفاع سابقين.
جورجيا المثيرة للجدل تصدَّرت العناوين بعد كشف مكالمة صوتية للرئيس دونالد ترامب مع سكرتير الولاية يطلب منه قلب نتائج الانتخابات فيها لمصلحته. كما أنها تشهد اليوم (الثلاثاء) جولة الإعادة لاختيار ممثلَي الولاية في مجلس الشيوخ، وسيحدد الاقتراع ما إذا كان الجمهوريون سيحتفظون بأغلبيتهم في المجلس أم سينتزعها منهم الديموقراطيون. علماً بأن الولاية لم تنتخب أي ديموقراطي لمجلس الشيوخ منذ 20 عاماً.
آخر استطلاعات الرأي تظهر منافسة حادة بين المرشحَين الديموقراطيين: جون أوسوف ورافاييل وأرنوك، ومنافسيهما الجمهوريين: كيلي لوفلير، وديفيد بيرديو. ومن المقرر أن يتوجّه ترامب وبايدن إلى جورجيا، دعماً للمرشحين من كل طرف.
وفي حال فاز الديموقراطيون بالمقعدين فسينتزعون الأغلبية من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، حيث سيتساوى الطرفان في عدد المقاعد مع صوت مرجح لنائبة الرئيس كامالا هاريس، وفي حال تحقق ذلك فسيحكم بايدن بأريحية أكبر.
في المقابل، ندّد الديموقراطيون، بشدة، بالضغوط التي مارسها الرئيس ترامب لقلب نتائج الانتخابات في جورجيا، والتي كشفتها مكالمة هاتفية مسرّبة، ودعوا إلى تحقيق جنائي، كما قرروا تقديم مشروع قرار في الكونغرس لتوبيخه.
وأثارت المكالمة المسرّبة بين ترامب وسكرتير الولاية براد رافينزبيرغر عاصفة من الانتقادات لترامب الذي لا يزال ينكر فوز منافسه جو بايدن، ويدّعي تزوير الانتخابات.
موقع صحيفة واشنطن بوست كان قد حصل على تسجيل المكالمة التي طلب فيها ترامب من رافينزبيرغر ــــ وهو مسؤول جمهوري ـــــ أكثر من 11 ألف صوت لتجاوز الفجوة بينه وبين بايدن، وقلب النتيجة.
ووفقا للصحيفة – التي نشرت مقاطع من المكالمة عبر موقعها – فقد استخدم ترامب أساليب عدة في مخاطبة السكرتير رافينزبيرغر، تنوّعت بين الإطراء والتوسّل، والتوبيخ والتهديد، بتبعات جنائية غير واضحة، إذا رفض التجاوب مع مزاعمه، لدرجة أنه قال له إنه يرتكب «مخاطرة كبيرة». وطوال مدة المكالمة رفض رافينزبيرغر إصرار ترامب على حدوث تلاعب في عمليات فرز الأصوات.
يأس وخزي
وقد وصفت كامالا هاريس، نائبة بايدن، جهود ترامب لإلغاء نتائج الانتخابات في جورجيا بأنها «إساءة استخدام جريئة للسلطة».
وقالت هاريس في كلمة ألقتها خلال حملة انتخابية في مدينة سافانا بجورجيا: إن تصرّفات الرئيس الحالي تكشف «صوت اليأس» الذي في داخله.
من جهته، قال بوب باور كبير مستشاري الرئيس المنتخب: إن المكالمة المسرّبة تعتبر دليلا قاطعا على قيام ترامب بالضغط على مسؤول في حزبه، لدفعه إلى إلغاء فرز الأصوات القانونية المعتمدة في ولايته، وتلفيق أصوات أخرى بدلاً منها. وأضاف: إن المكالمة تجسّد الرواية المخزية كلها عن هجوم ترامب على الديموقراطية الأميركية.
طبيعة إجرامية
رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب النائب الديموقراطي آدم شيف، اعتبر المكالمة ضمن أبشع حالات إساءة استخدام السلطة من جانب ترامب، وقد تكون ذات طبيعة إجرامية.
وقال شيف الذي قاد إجراءات محاكمة ترامب القانونية في الكونغرس العام الماضي: إن «ازدراء ترامب للديموقراطية قد كُشِف».
من جهته، دعا كبير الديموقراطيين في مجلس الشيوخ ديك دوربن إلى إجراء تحقيق جنائي بشأن المكالمة المسرّبة، في حين نددت زميلته ديبي واسرمان شولتز بهذا الفعل الذي أقدم عليه «رئيس يائس فاسد».
صحيفة بوليتيكو نقلت عن سانفورد بيشوب عضو مجلس النواب عن ولاية جورجيا، قوله إن المكالمة التي أجراها الرئيس مع سكرتير الولاية تُناقض إجراءات الديموقراطية، وقد تكون غير قانونية.
في حين سيقدِّم النائب هانك جونسون مشروع قرار لتوبيخ ترامب.
وسادت حالة من الاضطراب في صفوف الجمهوريين أيضاً. وقد دعا النائب آدم كينزينجر أعضاء حزبه إلى عدم السير مع الرئيس في حملته هذه، قائلا: «لا يمكنكم فعل ذلك بضمير مرتاح».
كما أبدى رئيس مجلس النواب السابق الجمهوري بول رايان معارضته لجهود بعض الجمهوريين في الكونغرس، للاعتراض على نتائج الانتخابات، قائلاً إن التشكيك في أصوات المجمع الانتخابي وانتصار جو بايدن يضرب أسس الجمهورية.
في المقابل، أعلن رئيس الحزب الجمهوري في جورجيا ديفيد شيفر أن ترامب رفع دعويين قضائيتين، ضد رافينزبيرغر بسبب تسريب المكالمة الهاتفية.
ضغوط ترامب انتهاك للقانون
التسريب أحدث موجة من الانتقادات الفورية من خبراء في قانون الانتخابات الذين قالوا إنها ترقى إلى حد الجريمة، التي يعاقب عليها القانون.
فعلى المستوى الفدرالي، فإن أي شخص «يحرم أو يخدع أو يحاول عن قصد أو عن عمد، حرمان سكان الدولة أو الاحتيال عليهم في إجراء عملية انتخابية نزيهة وغير متحيزة» هو انتهاك للقانون.
البروفيسور أنتوني مايكل كريس، أستاذ القانون في جامعة جورجيا، قال إن ترامب ربما يكون قد انتهك القوانين الاتحادية، وقانون الولاية بالتحريض على تزوير الانتخابات.
نقل سلمي للسلطة
صحيفة واشنطن بوست، التي نشرت المكالمة المسرّبة، نشرت أيضاً مقالاً، وقّع عليه 10 وزراء سابقين للدفاع، طالبوا فيه بانتقال سلمي للسلطة في البلاد، وحذروا من انخراط الجيش بالشأن السياسي.
والموقّعون على المقال، هم: آشتون كارتر، ليون بانيتا، ويليام بيري، ديك تشيني، ويليام كوهين، دونالد رامسفيلد، روبرت غيتس، تشاك هاغل، جيمس ماتيس، ومارك إسبر.
يأتي النداء قبيل مصادقة الكونغرس، غداً (الأربعاء)، على فوز جو بايدن، وقبل أسبوعين على موعد تسليمه المنصب رسميا.
وقال الموقّعون على المقال: «إن الجهود لجعل القوات المسلحة الأميركية تنخرط في حل النزاعات الانتخابية ستقودنا إلى مكان خطير وغير قانوني وغير دستوري».
كما أنهم حذروا من أن المسؤولين الذين سعوا للقيام بذلك قد يواجهون عواقب مهنية وقضائية خطيرة.
وقال وزراء الدفاع السابقون إن الولايات المتحدة سجلت رقما قياسيا في التحوّلات السلمية، و«هذه السنة يجب ألا تكون استثناء».
ودعا الموقّعون القائم بأعمال وزير الدفاع كريستوفر ميلر وجميع مسؤولي وزارة الدفاع إلى تسهيل الانتقال إلى إدارة بايدن.
وقالوا: «يتوجب عليهم أيضاً الامتناع عن أي عمل سياسي، من شأنه تقويض نتائج الانتخابات أو تعريض نجاح الفريق الجديد للخطر». وذلك بعد حديث عن إمكانية فرض الأحكام العرفية للإبقاء على ترامب في السلطة، وهو ما نفاه الأخير.