تحليلات

ميركل تتحضر لتقاعد سياسي.. وسيناريو ما بعد المستشارة مجهول

علي حمدان –

«يا لها من ولاية رئاسية!»، بهذه الكلمات توجهت أورسولا فون دير ليين، رئيسة المفوضية الأوروبية، والابتسامة تعلو وجهها، لأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، ورئيسة مجلس الاتحاد الأوروبي، بعد قمة أوروبية شهدتها ليلة مضنية من ليالي ديسمير الماضي، والتي توصل فيها قادة الاتحاد الأوروبي لاتفاقات حول عدد من القضايا المشتركة الشائكة.

القمة اختتمت ولاية دامت ستة أشهر، ترأست خلالها ألمانيا مجلس الاتحاد الأوروبي قبل تسليمها للبرتغال، وهي بمثابة آخر ثمرات حقبة ميركل الدبلوماسية.

قبل عام من الآن تدنت شعبية الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه ميركل إلى ما دون الثلاثين بالمائة، فصورة المستشارة الألمانية وحزبها تضعضعت، نتيجة انغماسها في السياسات الخارجية على حساب قضايا ألمانية محلية، مما أدى الى إعلان «والدة الأمة»، كما تسميها الصحافة الألمانية، عدم ترشحها لولاية خامسة، في ظل غياب التخطيط لمرحلة ما بعد ميركل.

المزاج الشعبي في ألمانيا تبدل مع ظهور وباء كورونا، الذي أعاد مستشارة البلاد إلى الأضواء مجدداً، بعد أن توجهت للألمان في 18 مارس الماضي خلال خطاب متلفز، وصفت فيه الجائحة المستجدة حينها كأكبر تحدٍّ تواجهه البلاد منذ العام 1945.

ومع بدء موجة التفشي الثانية في البلاد، والتي حصدت عدد وفيات أكبر من الموجة الأولى، أطلقت ميركل توصيات للبرلمان، بفرض إقفال عام حازم وسريع.

نجاح إدارة برلين في احتواء الموجة الأولى من كورونا، ونجاحها في الحد من تكاثر أعداد الوفيات، وحزم ميركل وأدائها الهادئ خلال الأشهر الأخيرة، أعادا الوهج لحضورها في قلوب الألمان، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى تخطي شعبيتها نسبة 70 بالمائة.

رئاسة ميركل لمجلس الاتحاد الأوروبي، وموافقتها على خطة إنقاذٍ مالي لأوروبا بميزانية تبلغ 750 مليار يورو، وتمكنها من إقناع حكومتي هنغاريا وبولندا المشاكستين بالتوقيع على اتفاقية «سيادة القانون»، للحؤول دون تعرض أموال الاتحاد الأوروبي للاختلاس، بالإضافة إلى ترتيب أهداف الاتحاد فيما يخص مسألة التغيرات المناخية، ساهموا في استعادة المستشارة لشعبيتها، فضلًا عن جهودها في حياكة اتفاقية الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، للتعاون الاقتصادي بعد «بريكست»، وموافقتها على مسودة اتفاقية الاستثمار المشترك مع بكين في ديسمبر، بحسب ذا إيكونوميست.

جينس سباهن، وزير الصحة الألماني، الذي سطع نجمه في البلاد نتيجة أداءه الناجح على مدى أشهر الجائحة، والأكثر كفاءة لخلف ميركل بحسب صحيفة أفاري إنترناسيونالي الإيطالية، رأى بأن ميركل سترحل، وأن الناخبين سيتذكرون ذلك قريباً، بعد نهاية ولايتها كرئيسة مجلس الاتحاد الأوروبي وانحسار الجائحة، كما أن الأحداث التي ستطغى على المشهد السياسي في ألمانيا من الآن وحتى سبتمبر، تاريخ الانتخابات، ستؤدي إلى أفول نجم أنجيلا ميركل أسرع مما نتوقع، بدءاً بانتخاب رئيس جديد للحزب المسيحي الديمقراطي، والذي سيخلف انقسامات حادة في جسم حزب الزعيمة الألمانية، جراء المنافسة بين كل من فريديريك ميرز المعادي لفرض الضرائب، آرمين لاشيت القادم من شمال الراين، حيث الكثافة السكانية الأعلى في ألمانيا، ونوربيرت روتغين، الخبير في شؤون السياسات الخارجية، والمحبوب من قبل النساء والفئات الشابة.

من ناحية أخرى، يحظى ماركوس سودير، عمدة بافاريا ذو الكاريزما الطاغية، ورئيس التجمع المسيحي الاجتماعي، بشعبية لا بأس بها قد تضعه في وسط المشهد الإنتخابي المقبل.

لقد شكلت وسطية ميركل على مدى الأعوام الماضية سمة إدارتها للبلاد، حيث تمكنت من الوقوف على مسافة واحدة من كافة الأطراف والأحزاب، وفيما يرى أنصارها أن حققت التوازن والاستقرار بحسب كثر، انتقد معارضوها ما وصفوه بـ «الرمادية» التي اتسمت بها توجهاتها، وعدم تبنيها لسياسات محددة الهدف.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى