كيف واجهت البشرية فيروس كورونا في 2020؟

خالد الحماد –
مع اقتراب عام 2019 من نهايته، ظهر الفيروس الذي أطلق عليه فيما بعد «كوفيد 19»، وفي 26 ديسمبر، لاحظ تشانغ جيكسيان، الطبيب في مستشفى مقاطعة هوبى للطب الصيني والغربي المتكامل، سبع حالات من الالتهاب الرئوي غير المعتاد، أربع منها مرتبطة بسوق هوانان في ووهان.
أغلقت السلطات السوق في الأول من يناير، لكن بعد فوات الأوان، حيث كانت العدوى تنتشر بالفعل في ووهان وعبر الصين، كما أشارت الأبحاث اللاحقة إلى أن الفيروس قد شق طريقه دون أن يلاحظه أحد، إلى أوروبا وأميركا أيضًا.
وتقول مجلة الإيكونوميست، أنه مع اقتراب عام 2020 من نهايته، لا زال الفيروس يواصل انتشاره، فتجاوز عدد حالات الإصابة المؤكدة 70 مليون، ومعدل الإنتشار وصل إلى 4.3 مليون أسبوعيًا، وبلغ عدد الوفيات جراء الوباء أكثر من 1.6 مليون، وتجاوزت الوفيات الأسبوعية الآن 75 ألفًا.
السمة الأبرز لـ 2020، كانت سرعة سيطرة فيروس كورونا على الحياة تمامًا، مع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، لا شك أن استجابة العالم لهذا الوباء شهدت العديد من الإيجابيات والسلبيات، والتي استعرضتها مجلة الإيكونوميست في تقريرها.
فشل في المواجهة
من النقاط السلبية أن العديد من المجتمعات لم تدرك طبيعة النمو المتسارع للفيروس، وفي الربيع عندما بدأت الموجة الأولى من تفشي الوباء، مع تضاعف الإصابات كل خمسة أو ستة أيام، فشلت الدول واحدة تلو الأخرى في تجهيز النظام الصحي للتعامل مع تفشي الوباء.
على سبيل المثال يتمتع شمال إيطاليا بنظام رعاية صحية متقدم، لكنه انهار بالكامل تحت عبء الحالات المتزايدة للإصابة بالفيروس في مارس، كما تأخرت دول أخرى في اتخاذ الإجراءات الاحترازية، فمثلًا دخلت بريطانيا في حالة إغلاق بعد أسبوعين من إيطاليا، في ذلك الوقت، تضاعفت الإصابات وحجم التهديد الذي يشكله كورونا بين أربعة وثمانية أضعاف، لكن على النقيض من ذلك، كانت الدول الآسيوية راضية تمامًا عن الطريقة التي تعاملت بها مع الفيروس، مثل تايوان وسنغافورة وفيتنام، حيث استفادت من تجربتها مع فيروسات كورونا السابقة، وتصرفت بشكل مبكر وفعال.
من اللافت للنظر، أن فشل الدول في التعامل مع الوباء خلال الموجة الأولى في الربيع، حدث مرة أخرى خلال فصل الخريف، على الرغم من أنها حصلت على فرصة لعدة أشهر للاستعداد، إلا أنها أخفقت في ذلك، فعلى سبيل المثال جهزت بلجيكا نفسها للموجة التالية، من خلال مضاعفة قدرتها على العناية المركزة، لكن عندما اشتدت الجائحة الفيروس في نوفمبر، كان عدد الحالات يتضاعف بسرعة كبيرة، لدرجة أن مقاومة القطاع لم تدم لأكثر من 10 أيام قبل الانهيار مجددًا.
من العلامات الأخرى على الفشل في مواجه الجائحة، كانت الكم الهائل من المعلومات المضللة التي نشرها البعض عبر شبكة الإنترنت، فادعى كثيرون أن الكمامات لا توفر أي حماية، في حين عمد آخرون إلى القول أن المرض نتج عن الإشعاع الصادر من أبراج اتصالات الجيل الخامس، أو أن فيروس كورونا ليس بأسوأ من الأنفلونزا، في حين ألصق البعض التهمة بالمليادرير بيل غيتس، مؤكدين أنه صنع الفيروس، في إطار مخططه لبيع اللقاحات لاحقًا.
المشكلة الكبرى كانت أن السياسيين الشعبويين، ومن بينهم رؤوساء دول شاركوا في نشر تلك الإدعاءات، فتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن علاجات لم تثبت فعاليتها في مواجهة الفيروس مثل هيدروكسي كلوروكين، كما اقترح في إحدى خطاباته استخدام المطهرات في علاج مرضى كورونا، وفي البرازيل، شبه الرئيس جاير بولسونارو وباء كورونا بالزكام.
مخاطر غير مألوفة
لقد كشف الوباء عن مدى قدرة المجتمعات على تحمل مخاطر غير مألوفة، فعندما استجابت الصين لتفشي فيروس كورونا بإغلاق أجزاء كبيرة من مقاطعة هوبي في 23 يناير، قال العديد من المحللين إن الناخبين المحبين للحرية في الديمقراطيات الغربية لن يتسامحوا مع مثل هذه الإجراءات الصارمة، لكن كما اتضح لاحقًا ومع استثناءات قليلة بما في ذلك المناطق الريفية في أميركا، فإن ما لن يتسامحوا معه هو تردد الحكومات في فرض إجراءات لمواجهة الفيروس.
وعلى الرغم من الاحتجاج الغريب ضد الكمامات وعمليات الإغلاق، إلا أن الإجراءات القاسية ضد الوباء قد لاقت استحسانًا لدى الكثيرين، فمثلًأ في نيوزيلندا، وبعد عزل البلاد وإبقاء الوفيات عند 25 فقط، حافظت جاسيندا أرديرن على منصبها كرئيسة للحكومة، بعد فوز حزبها بأغلبية ساحقة في الانتخابات للمرة الثانية، وهو أمر نادر في نيوزيلندا، أما في إيطاليا، التي فقدت ما يقرب من 70 ألف شخص جراء الوباء، فإن الحجر الصحي الذي فرضه رئيس الحكومة جوزيبي كونتي، قد حوله من نائب تكنوقراطي إلى قوة سياسية في حد ذاته.
وتشير المجلة إلى أن الحرب ضد الوباء جاءت على حساب الصحة النفسية، والصعوبات الاقتصادية، وزيادة عدم المساواة، وتعطيل الخدمات الطبية، والفجوات في التعليم، والتي ستؤدي إلى انتكاسة جيل من أطفال المدارس، ولم تتمكن الحكومات من التساؤل عما إذا كانت قد حققت أفضل توازن، بين تجنيب الناس فيروس كورونا، وإلحاق الأذى بهم بالسياسات التي فرضوها لمواجهته.
في الخريف حاولت مجموعة من العلماء إثارة هذا السؤال بما أسموه إعلان بارينجتون العظيم، واقترحوا السماح للعدوى بالانتشار بين الشباب والأصحاء من أجل بناء «مناعة القطيع»، حتى كملجأ ضعيف من المرض، وكانت للفكرة مشاكلها، لكن لم يتم نقاش إمكانية تطبيق الفكرة مع تجاوز هذه المشاكل بشكل جدي.
نجاح العلم
وتؤكد «الإيكونوميست» أنه على الرغم من كل السلبيات، لكن كان هناك في المقابل نجاحات كبيرة حققها العالم خلال مواجهته للوباء، فمثلًا استغرق الأمر 20 عامًا لترخيص لقاح لشلل الأطفال، في حين قام علماء اليوم بهذه المهمة في أقل من عام، وعندما أثار الدكتور تشانغ جرس الإنذار، كان «كوفيد -19» مرضًا جديدًا تمامًا، أما اليوم، فقد كشفت العلماء تسلسل الجينوم الخاص به، وكيفية دخوله إلى الخلية البشرية، كما طوروا بروتوكولات علاج أنقذت أرواح الملايين.
بالمجمل لا يزال هناك الكثير ليتم اكتشافه، ومع اقتراب عام 2020 من نهايته، ظهر نوع جديد من الفيروس في بريطانيا، بدا أنه معدي بنسبة تصل إلى 70٪ أكثر من السلالات السابقة، وقد ظهر بالفعل في عدة دول أخرى، لكن ومع ذلك هناك ثقة واضحة، وسبب وجيه للاعتقاد، أنه مع اقتراب 2021 من نهايته، سيكون الوباء قد انحسر، وكل ذلك بفضل جهود العلماء على مستوى العالم، وربما سيظل الفيروس موجودًا، وسيكون هناك ملايين من الناس بحاجة إلى التطعيم ضده، لكن قبضته الخانقة على الإنسانية ستخف في النهاية.