الحرب الأهلية في إثيوبيا تهدد الأنظمة الاستبدادية

علي حمدان –
بالإضافة الى مأساوية الوضع الإنساني في إقليم تيغراي الإثيوبي، فإن الاقتتال الأهلي الدائر هناك يهدد إقتصاد البلاد المتنامي ونظامها السياسي برمّته، فمن شأن الكارثة التي حلّت بأديس أبابا أن تطيح بالإنماء الذي تصبو اليه حكومتها، والذي نجحت في تحقيق الكثير منه على مدى الأعوام الأخيرة.
على صعيد آخر، قد يؤدي التدهور الأمني في تيغراي، إلى إعادة نظر الدول والمنظمات الغربية المانحة في دعمها لمشاريع إنمائية في إثيوبيا، بحسب دراسة نشرتها كارنيغي.
في السنوات الأخيرة ساهمت الولايات المتحدة وجهات غربية أخرى، بدعم أنظمة كل من إثيوبيا ورواندا الاستبدادية، بحجة نجاح حكومات هذه الدول في إنجاز مخططاتها الإنمائية، وبغض النظر عن تواطؤ الدول والمنظمات المانحة مع هذه الأنظمة بطريقة غير مباشرة ضد حقوق الإنسان والحريات، يبرز السؤال حول مدى إمكانية صمود وديمومة الازدهار الذي تحققه هكذا أنظمة، فالتجربة الإثيوبية تظهر هشاشة الحكومات السلطوية وسرعة انهيار إنجازاتها، أمام أي تحديات أو هجمات تنفذها جماعات مهمشة ومتمردة.
في ضوء هذا، قام الاتحاد الأوروبي بتعليق مساعدات بقيمة 110 مليون دولار كانت في طريقها إلى إثيوبيا، معبرًا عن قلقه من طريقة تعامل حكومة أديس أبابا مع النزاع في تيغراي.
كما شهدت الـ 15 عاماً الأخيرة تعاطفاً دولياً متزايداً مع الحكومات الإستبدادية، وإيماناً بقدرتها على التطوير والإنماء بوتيرة أسرع من نظيراتها الديمقراطية، وإن كان المفهوم قديمًا بعض الشيئ، إلا أنه استعاد زخمه مع قصة نجاح النموذج الصيني التي يحكمها حزبٌ واحد، وتصدرها اقتصاديًا وإنمائيًا وتكنولوجيًا في وقت وجيز.
أما في القارة الإفريقية فقد أدى فشل دول عدة بالعبور نحو الديمقراطية وتحقيق الازدهار، وفشل أخرى تدعي الديمقراطية في التطوير والتقدم، إلى فقدان أمل المجتمع الدولي بها، وإيمانه بأنظمة سلطوية كإثيوبيا ورواندا، لتتمكن هذه الأنظمة من حصد نتائج مبهرة فيما يخص تقليص نسب الفقر، وتأمين فرص العمل وتحقيق النمو الإقتصادي بشكل عام، فبات مديح الرئيس الرواندي بول كاغامي على تمكنه من اجتثاث الفساد وتخفيض منسوب الجرائم في شوارع بلاده، والثناء على إنجازات رئيس الحكومة الأثيوبية الإنمائية، أمران شائعان ويدلان بحسب وجهة النظر الغربية، على حسن إدارة الأنظمة الاستبدادية لمواردها، وتميزها في رعاية شعوبها.
ومع تبدد آمال الحكومات الغربية والمنظمات الدولية بنجاحها في إحداث تغييرات مع أنظمة تتغنى بالحكم المتعدد بعد تجارب مريرة معها، وفي ظل تعطشها للعمل مع جهات قادرة على تحقيق إنجازات، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد الأوروبي بدعم أثيوبيا وروندا بستة مليار دولار، مقابل دعم شحيح لمالاوي التي شهدت في صيف 2020 إنتقالاً سلمياً وسلساً للسلطة، بحيث لم تتخطى حصة الفرد من الدعم الغربي فيها 70 دولارًا.
ومع نشوب الحرب الأهلية في إقليم تيغراي الإثيوبي، قد تجد الدول والمنظمات الغربية المانحة نفسها أمام مرحلة إعادة نظر في سياسات دعمها، وتزخيم برامج تعاونها مع دول أكثر إنسانية وديمقراطية.
قصة نجاح التنين الصيني المبهرة بالتزامن مع توعك التقدم في ديمقراطيات الغرب العريقة، وتعثر النمو والازدهار في شبه الديمقراطيات الأفريقية، يطرح علامات إستفهام حول مدى قدرة الأنظمة المتعددة الحكم على تحقيق تطلعات شعوبها، بالمقابل، لكن نشوب حرب تيغراي الإثيوبية في نوفمبر الماضي، ونزوح الآلاف منها بالإضافة إلى الدمار الهائل الحاصل في البنى التحتية هناك، وتداعيات ما يجري على بهتان صورة إثيوبيا الصاعدة دوليًا، قد يثير القلق حول مستقبل البلاد الإقتصادي.