الشرق الأوسط

البقاع اللبناني.. ساحة للفوضى والفلتان الأمني

سرقة وسطو مسلح وخطف في عزّ النهار.. والدولة غائبة

بيروت أنديرا مطر

توازياً مع الانهيار المتمادي اقتصاديا وسياسيا، تتصاعد وتيرة الفلتان الأمني في لبنان عامة وفي محافظات البقاع خاصة. وتسجل هذه المنطقة يومياً، وأمام أعين الأجهزة الأمنية، حوادث سرقة سيارات ومحال تجارية لا توفر حتى الدكاكين الصغيرة، والأخطر حوادث خطف صيارفة ومتمولين.
مصادر أمنية لفتت الى ان أعمال السرقة والسطو نشطت تحت ستار الحاجة والعوز. لكن الارتكابات هذه تتخذ أبعادا أخطر في المناطق الحدودية مع سوريا، بسبب نشاط عصابات التهريب المتزايد وتراخي مؤسسات الدولة، ما يهدد بسقوط هذه المناطق في أيدي «عصابات» خارجة عن سلطة العشائر وقوى الأمر الواقع.
استفاقت مدينة الهرمل في مطلع العام الجديد على خبر مقتل الشقيقين شحادة وابراهيم جعفر، بعد تعرضهما لاطلاق نار في جرود الهرمل، على يد من كانوا يقومون بسرقة محول كهربائي. وسبق هذه الجريمة اطلاق نار على ثلاثة في سوق البلدة أدى الى سقوط قتيل.
هذه الاعتداءات أثارت موجة استياء عارمة لدى الأهالي الموالين بمعظمهم لحزب الله وحركة أمل. وترجم هذا الغضب في التعليقات على صفحة «هرمل سيتي» على فيسبوك، والتي حمل فيها الأهالي مسؤولية التفلت الأمني الى أحزاب المنطقة وعشائرها، قبل ان تعود الصفحة وتحذف التعليقات، مكتفية بالدعوة الى تحرك شعبي.
الموجة الشعبية ضد السلاح المتفلت والمرتكبين الذين يحظون بغطاء حزبي سرعان ما خفتت. حتى الدعوة الى الاعتصام لم تجد مؤيدين كثر لها. في المقابل، اكدت مصادر نيابية رفض حزب الله لهذه للاعمال الاجرامية المتكررة، محملين المسؤولية الى «الدولة» المتقاعسة. وعما اذا كان حزب الله المسيطر على المنطقة سياسيا وعسكريا غير قادر على ملاحقة هؤلاء وتسليمهم الى الدولة، قالت المصادر ان الحزب غير مسؤول عن إلقاء القبض على المجرمين ويكفيه ما يتهم به بأنه «دولة ضمن الدولة». ولفتت المصادر الى ان أوضاع الحدود غير المضبوطة يجعل من السهل على المرتكبين الفرار الى سوريا التي باتت ملاذا آمنا لهؤلاء.

دور العشائر وانحسار امتيازاتها

منطقة بعلبك الهرمل موطن للعشائر، التي يرى بعض الأهالي انها بدأت تخسر سطوتها على بعض «الزعران» ممن يسيئون اليها بارتكاباتهم. وآخرها ما حصل الخميس الماضي عندما قام شابان من آل جعفر وعلو بمحاولة استدراج وسرقة في عز النهار على طريق الكرك – بعلبك، محاولين خطف عسكري في الجيش كان بلباسه المدني فور مغادرته أحد محال الصيرفة، وحصل إطلاق نار وقتل العسكري واصيب الشابان.

وصلنا إلى الخطر

رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر شدد في تصريح لـ القبس على أن ضبط الأمن يعود إلى القوى الأمنية وحدها، لافتاً إلى أن هناك من يحمل المسؤولية إلى أحزاب المنطقة وعشائرها، علماً أن الجميع، بمن فيهم حركة أمل وحزب الله والعشائر، يطالبون الدولة منذ زمن بضبط الأمن حتى على معابر التهريب. وناشد صقر وزارة الدفاع وقائد الجيش العمل على ضبط الأمور «لأننا وصلنا إلى مكان خطر جداً».
والموضوع لا يتعلق بإشكالات معابر التهريب وتفلتها، بل يمتد إلى منطقة البقاع كلها من زحلة وصولاً إلى داخل بلدات الهرمل.
كثر من أبناء القاع (البقاع الشمالي) باتوا ممن يسكنون في بيروت قالوا لـ القبس إنهم يتجنبون التوجه إلى قريتهم مساء، مخافة تعرضهم للاعتداءات، وسرقة سياراتهم، التي تكاثرت في الفترة الأخيرة.

كل شيء مباح للسرقة

رئيس بلدية القاع بشير مطر اعتبر أنه بالتوازي مع انتشار «كورونا»، انتشر نشاط أخطر بكثير تمثل بالسطو والسرقات التي تطول كل شيء. من بطاريات السيارات إلى عواميد الكهرباء إلى الخردة وخراطيش الصيد، كله مباح للسرقة بسبب غلاء هذه المواد، داعياً القوى الأمنية والجيش إلى مصادرة الشاحنات المحملة بهذه المواد.
ولفت مطر في تصريح لـ القبس إلى أن التحذيرات المتتالية من خطورة انعكاس الوضع الاقتصادي على التفلت الأمني والفوضى، على صحتها، إلا أنه بدت وكأنه تمهيد الأرضية لفلتان بعض المستفيدين. فمن يعتدي على أملاك الناس لم يكن يعمل وأصبح عاطلا عن العمل، وهو بالتأكيد ممن لم تحجز أمواله في المصارف، وإنما هو في الأساس سارق ويستغل هذا الوضع.
أما عمليات التهريب الكبيرة على المعابر غير الشرعية فتتولاها مافيات كبيرة، لا تندرج في فئة الفقراء المعوزين بل وهي من بيئة خارجة أساساً عن القانون، والوضع الاقتصادي والسياسي المأزوم يساعدها على تنشيط أعمالها في الفترة الحالية.
وعما يمكن للبلديات في تلك المناطق أن تقدمه لحماية أبنائها يقول مطر إن البلديات بإمكاناتها المحدودة تعمل أقصى ما في طاقتها ولكن لا يمكنها أن تحل مكان الدولة. ويشير إلى أن الفوضى العارمة في المناطق البقاعية تجعل الجهات الأمنية تتهرب أحياناً من القبض على المرتكبين بسبب تفشي «كورونا» من جهة وبسبب الوساطات الحزبية.
إذاً، الأمر متروك على عاتق البلديات المتروكة بدورها بلا مسوغ قانوني وبلا دعم مادي بسبب احتجاز الدولة لأموالها. وبالمحصلة «الوضع مأساوي».

الأمن الذاتي لحماية الناس

ولا تقتصر الاعتداءات على الناس على البلدات النائية والصغيرة، فقد شهدت منطقة زحلة مؤخرا عشرات عمليات السرقة والاعتداءات استدعت مطالبات بالأمن الذاتي في ظل غياب المعالجات الرسمية. نائب المنطقة سيزار معلوف وجه عبر القبس الدعوة إلى القوى الأمنية لكي «تتحمّل مسؤولياتها»، لافتاً إلى أنّ الفقر ليس حجة ومن يسطو على الناس بالسلاح ليس فقيرا بل أزعر يعتدي على كرامة الناس.
ولوح معلوف مجددا بالأمن الذاتي، منوهاً الى انه عندما نادى به «قامت القيامة عليي»، ولكن أعيد وأكررها، وأقول للمسؤولين «روحوا اعملوا شغلكن أحسن ما نعمل شغلنا نحنا»، خصوصا أن الوضع الاقتصادي ينبئ بأيام أسوأ على الصعيد الأمني.
وأوضح معلوف أن الامن الذاتي لا يفترض حمل السلاح كي لا تشطح مخيلة البعض، بل يقتصر على تشكيل لجان من شبان الاحياء السلميين، لحماية اهاليهم.
ويضيف معلوف: الإشكالات المسلحة على معابر التهريب يمكن استيعابها، اما دخول مسلحين على صيدلي وتهديده وضربه في وضح النهار، ومطاردة أبناء زحلة لتشليحهم سياراتهم فهذا امر لا يمكن السكوت عنه. ومن يجرؤ على القيام بهذه الأفعال ليس جائعا، «اذا جوعان نحنا منطعميه. لم يقصدنا أحد ورديناه خائبا» يقول النائب البقاعي، مشددا على انه لا يقصد بكلامه «طائفة معينة أو حزبا معينا».

ارتفاع جرائم القتل 100%

أوضحت مؤسسة «الدولية للمعلومات» وبناءً على التقارير الصادرة من قوى الأمن الداخلي، أنّ حوادث السرقة بشكل عام وسرقة السيارات وجرائم القتل سجّلت ارتفاعاً كبيراً في لبنان خلال عام 2020 مقارنة بعام 2019، فقد ارتفعت نسبة سرقة السيارات 120 في المئة، بينما بلغت نسبة ارتفاع حوادث السرقة 93.8 في المئة. كما سجلت جرائم القتل أيضاً ارتفاعاً كبيراً بلغت نسبته 100 في المئة.

الارتطام لم يعد بعيداً

المحلل السياسي المتابع لما يجري في منطقة البقاع يقول ان العصابات تنشط تحت ذريعة الفقر، والأجهزة الأمنية تعمل ما في وسعها لتفادي المشكلة. لكننا في الوقت عينه لا يمكننا طلب المستحيل او المعجزات ونحن ندرك تماما ما يعاني منه البلد،
نعم لبنان يخطو بسرعة نحو الجحيم. ويبدو اننا مكملون بهذه الطريق من دون إصلاحات على كل المستويات، ولحظة الارتطام لم تعد بعيدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى