آراء أجنبية

اضطرابات واشنطن.. مسؤولية منصات التكنولوجيا «محدودة»

المطلوب الآن إعادة التفكير في حدود حرية التعبير

جون ثورنهيل – فايننشال تايمز – ترجمة إيمان عطية

السؤالان الأبديان اللذان تحركت الحركات الثورية الروسية قبل عام 1917 وفق بوصلتهما كانا: على من يقع اللوم؟ ما الذي يجب عمله؟
المثير للدهشة أن هذين السؤالين ترددا في أرجاء واشنطن ليلة الأربعاء، بينما كان الأميركيون المصابون بالصدمة يجاهدون في محاولة معرفة وشرح أسباب وعواقب اقتحام الغوغاء مبنى الكابيتول هيل.
سرعان ما وجّهت أصابع الاتهام إلى منصات التكنولوجيا، مثل «تويتر» و«فيسبوك»، التي كانت بمنزلة مكبرات الصوت الرقمية للرئيس دونالد ترامب. وألقي باللائمة على وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع في ما تشهده البلاد من استقطاب في الرأي السياسي وإضفاء طابع سوي على التطرف وتعبئة الاحتجاجات العنيفة.
كريس ساكا مستثمر تكنولوجي بارز اتهم جاك دورسي ومارك زوكربيرغ، الرئيسين التنفيذيين لـ «تويتر» و«فيسبوك» على التوالي، بأن أيديهما ملطخة بالدماء. وغرد: «لأربع سنوات كنتما تبرران هذا الإرهاب. التحريض على الخيانة العنيفة ليس ممارسة لحرية التعبير».
وردا على العنف الذي شهده مبنى الكونغرس، أغلقت «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«يوتيوب» حسابات ترامب، وأزالت بعض مشاركاته.
وقد يجادل الكثيرون بأنها تأخرت أربع سنوات بالنظر إلى أن ترامب كان على الدوام ينتهك قواعد المستخدم الخاصة بتلك المنصات طوال فترة رئاسته.
وستتكثف الدعوات المتجددة لترويض تأثير المنصات، بلا شك، وسيتزايد الضغط لإلغاء المادة 230 من قانون آداب الاتصالات لعام 1996، الذي يمنح شركات الإنترنت حصانة شاملة للمحتوى الذي ينشره المستخدمون على مواقعها. وأعلن الرئيس المنتخب جو بايدن بالفعل دعمه لمثل هذه الخطوة.
لكن لا ينبغي أن نتسرع في الحكم والتنفيذ. هناك الكثير من اللوم الذي ينبغي توزيعه هنا وهناك، بيد أن الحلول السريعة قد لا تكون بسيطة ومباشرة كما قد تبدو.
لا شك أن ترامب استخدم منصات وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح بيده. فمع 89 مليون متابع على «تويتر» و35 مليون متابع على «فيسبوك»، تمكن الرئيس الأميركي من التحدث مباشرة إلى مؤيديه وصياغة مختلف القضايا بطريقته الخاصة.
بيد أن دراسة أجراها مركز «هارفارد بيركمان كلاين» تحدت فكرة أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأساس للتضليل. في تحليل لمزاعم تزوير أصوات الناخبين بالبريد قبل الانتخابات الرئاسية، درس الباحثون 55 ألف موضوع إعلامي عبر الإنترنت و5 ملايين تغريدة و75 ألف منشور على «فيسبوك».
وخلصت الدراسة إلى أن هذا الجدل كان جزءاً من حملة تضليل ممنهجة أطلقها ترامب وقادة الحزب الجمهوري، وتضخمت من قبل العديد من وسائل الإعلام التقليدية.
«فوكس نيوز» مثلاً، الشبكة اليمينية التي يديرها روبرت مردوخ، كانت أكثر تأثيراً في نشر المعتقدات الخاطئة مما فعلت الجيوش الإلكترونية الروسية أو ما يعرف بـ«كليك بيت» على «فيسبوك».
وذكرت الدراسة أن النتائج التي توصلت إليها تشير إلى أن هذه الحملة الإعلامية المضللة الفعّالة للغاية بآثارها العميقة المحتملة على المشاركة في انتخابات عام 2020 وشرعيتها كانت عملية تقودها النخبة ووسائل الإعلام. وخلص التقرير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً ثانوياً فقط.
وبهذا المعنى، يقع اللوم على مردوخ في ما يتعلّق بأحداث الفوضى الأخيرة أكثر من دورسي أو زوكربيرغ. كما أن هناك أدلة تشير إلى أن المتمردين في واشنطن انتقلوا بصورة كبيرة من «فيسبوك» و«تويتر» إلى منصات ومواقع بديلة، مثل «بارلر» و«جاب» و«تلغرام» و«TheDonald.win»
وتحذّر جماعة «التحالف من أجل شبكة ويب أكثر أماناً» التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، منذ أسابيع، من المخاطر التي تمثّلها هذه المواقع. ودعت صراحة إلى إلغاء المادة 230 للمساعدة في تقويض ضررها وتأثيرها.
لكن الأمر يستحق التفكير في قانون العواقب غير المقصودة. إذ قد يؤدي رفع الحصانة عن المسؤولية إلى تأثير عكسي وتعزيز هيمنة «فيسبوك» و«تويتر». جميع المواقع على الإنترنت، في الواقع، يجب أن تتحمل مسؤولية تصفية المعلومات، لكن العديد من الشركات المنافسة لا تستطيع تحمل الاعتدال أو التعرض القانوني، وستتراجع.
قد يؤدي إلغاء المادة 230 أيضاً إلى القضاء على الخدمات القيمة التي ينشئها المستخدمون. إذ يقول جيمي ويلز مؤسس «ويكيبيديا» إن الموسوعة على الإنترنت لا يمكن أن تستمر من دون حماية المسؤولية.
جيف كوسيف، الباحث القانوني ومؤلف المادة 230، يقول إن الإصلاح سيكون أفضل من الإلغاء. وأخبرني بأن لجنة تابعة للكونغرس ينبغي أن تحقق وتبحث في أفضل السبل لتعديل القانون. فالاستثناءات لهذه المادة موجودة بالفعل في ما يتعلّق بحقوق الطبع والنشر والقانون الجنائي الفدرالي والاتجار بالجنس. فما هي الطرق التي يمكن بها توسيع هذه الاستثناءات لمواجهة التطرف؟
للإجابة عن الأسئلة الأبدية، هناك إجابة واحدة واضحة ومحل نزاع شديد. على من يقع اللوم؟ ترامب وعناصر التمكين السياسية والإعلامية. ما الذي يجب عمله؟ إعادة التفكير في حدود حرية التعبير.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى