ماذا تعرف عن «العبودية المعاصرة» في إسرائيل؟

علي حمدان –
قام عمال تايلانديون يعملون في قرية موشاف الزراعية الإسرائيلية، بالاتصال بمنظمة حقوقية في أغسطس الماضي، للتبليغ عن ظروف عملهم القاسية وكدحهم منذ مطلع الفجر وحتى منتصف الليل رغم الحر الشديد، بحسب هآرتس.
أصحاب العمل في مزارع موشاف يعمدون إلى معاقبة العمال «البطيئين»، كما يتقاضى هؤلاء رواتب دون الحد الأدنى للأجور، يتسلمون رواتبهم بشكل متأخر باستمرار، يتعرضون للمبيدات السامة دون أقنعة أو إجراءات وقائية، ولا يتلقون العلاج في حال تعرضوا لوعكات صحية أو إصابات، خلال عملهم في الحقول.
في اليوم التالي من تلقيها اتصال الاستغاثة، قامت المجموعة الحقوقية بإبلاغ وزارة الشؤون الاجتماعية، بما أدلى به العمال المهاجرين، ودعت إلى فتح تحقيق حول القضية مزوّدة السلطات بوثائق وفيديوهات قام التايلانديون بالتقاطها أثناء تعرضهم لسوء المعاملة.
المطالبات بمقاضاة أصحاب المزارع في موشاف ذهبت سدىً، والعمال تم نقلهم بعد حوالي الشهر إلى مزرعة أخرى في نفس البلدة.
محكمة العدل العليا في إسرائيل، رأت أن قبول هؤلاء بالعمل في ظل ظروف قاسية ومجحفة كهذه، يعود إلى إضطرارهم إلى سداد ديونهم في بلادهم والإنفاق على أسرهم الفقيرة، واصفة أحوالهم بكونها «عبودية معاصرة وإتجاراً بالبشر لدواعي إنتاجية».
الشرطة الإسرائيلية وبعد الاستماع إلى شهادات بعض العمال، والاطلاع على مقاطع الفيديو التي قدمتها مجموعة كاف لاوفيد الحقوقية، خلُصت إلى أن التايلانديين ضحية الإتجار بالبشر، لكن المحكمة العليا لم تقم بمتابعة الملف، في الوقت الذي تساءل فيه الضحايا عن سبب إجبارهم على الاستمرار في العمل في نفس الظروف، رغم تثبت الشرطة من المعاملة الرديئة التي يتعرضون لها.
بعد مرور أسابيع على الحادثة، ومع تجاهل المحكمة الإسرائيلية للبلاغ، قامت الشرطة الإسرائيلية بوقف العمل على الملف، ولم تستكمل عمليات التحقيق والاستماع إلى شهادات كافة أعضاء المجموعة.
بالإضافة إلى سوء المعاملة التي يتعرض لها عمال المزارع في موشاف، يعيش عمال كثر في مجال البناء وفي دور العناية وغيرها، ظروفاً قاسية في إسرائيل، مما يعكس ثقافة استغلال العمال المهاجرين الرائجة لدى كيان الاحتلال، في ظل غياب تام من قبل مؤسسات الدولة عن متابعة القضية ومحاسبة المرتكبين، فالشرطة الإسرائيلية لم تقم بفتح أكثر من 11 ملفاً متعلقاً بالإتجار بالبشر وسوء معاملتهم بين العام 2017 و2019، فيما باشرت وزارة العدل بتحقيقاتها في 20 قضية مماثلة من أصل المئات، ولم يتم إصدار سوى ثلاثة أحكام في قضايا عمل قسري، لا إتجار بالبشر، فيما عمدت إلى إهمال باقي الدعاوى.
مكتب رصد ومكافحة الإتجار بالأشخاص الأميركي، أعلن عن تسجيل 34 ضحية موثقة للإتجار بالبشر والعمل القسري في إسرائيل، وأضاف في بيان: «بخلاف الأعوام السابقة، فإن أغلب الضحايا تم التنكيل بهم من قبل الشرطة الإسرائيلية، فيما تعرض ثلاثة منهم للتعذيب في الصحراء أثناء رحلتهم لدخول إسرائيل»
تبعاً لتقرير صادر عن 10 قانونيين من جامعة تل أبيب، فإن التعرف على الضحايا والاستماع إليهم والتعرف على مصادر التجاوزات، أمر في غاية الضرورة من أجل التمكن من معالجة قانونية مناسبة، والعمل على وضع سياسات عامة لمكافحة ظاهرة الإتجار بالبشر.
انتهاك حقوق الإنسان والعمال والإتجار بالبشر، أصبح أمراً عادياً في إسرائيل، بحسب مايان نييزنا الناشطة والقانونية في شؤون المهاجرين، والتي قالت: «على الحكومة البدء بمكافحة الإتجار بالبشر وسوء معاملتهم، بدءاً بمكافحة ظواهر كتأخير مواعيد دفع مستحقات العمال، وتلقيهم لأجور متدنية ليتمكن هؤلاء من التبليغ عن أبسط التجاوزات، ولردع أصحاب العمل عن استغلالهم، من خلال فرض عقوبات صارمة عليهم في حال عدم تطبيقهم للقوانين».
في سياق متصل، أشارت نييزا إلى ضرورة تثقيف وتدريب الجهات الحكومية، حول مسألة الإتجار بالبشر والعبودية، من أجل تمكينهم من حياكة حلول مناسبة وسياسات عامة عصرية وإنسانية.