«الأربعاء الأسود» قد يقود أميركا إلى حرب أهلية
ترامب رفع الستارة عن إرهاب البيض وانقسام الأميركيين

ولاء عايش
لا تزال حادثة اقتحام الكونغرس تشكل ذخيرة إعلامية مع تكشف فصولها وتداعياتها على مستقبل الولايات المتحدة، خاصة في ما يتعلق بآلية تعاطي الأجهزة الأمنية مع المقتحمين. فحجم التسهيلات التي تلقوها لدخول البوابات من دون مقاومة تذكر والتصريح بعدم نية مقاضاتهم، هي مسألة أخطر من مجرد تواطؤ.
حتى الآن تواصل الجهات المسؤولة التحقيق في الحدث المحزن الذي أصاب الديموقراطية الأميركية، لا سيما أنه كشف نوايا خفية تقف خلف الهجوم ظهرت جلياً من خلال استعداد مسبق، القمصان المطبوعة بشعار أميركا أولاً وقبعات «المحافظون على العهد» خير دليل.
في الكواليس أيضاً إشارة أبعد من بغية الإطاحة بالحكومة والتخريب على بايدن، فبتشجيع الرئيس دونالد ترامب على الهمجية قد رفع الستارة عن أزمة بنيوية أميركية تغذي إرهاب البيض وتعزز الانقسام داخل المجتمع، فأنصاره يمينيون متطرفون يعدّون أنفسهم جزءًا من حركة ميليشيات مكلفة بحماية البلاد والدفاع عنها والدخول لو اضطر الأمر في حرب أهلية أو عرقية.
ومع تصاعد الدعوات المطالبة بعزل ترامب وإزاحته عن السلطة قبل الموعد المحدد لانتهاء ولايته، فقد الرئيس توازنه النسبي وفشل في التخريب على بايدن، حتى أنه أكد مقولة أن الولايات المتحدة ليست سوى شعب من مهاجرين تجمعهم أيديولوجية المنفعة من خلال حث متطرفين إرهابيين على تجاوز الخطوط الحمر في أمن الدولة وووحدتها.
وفي السياق، تمضي نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب قدماً ببذل الجهود من أجل إقالة ترامب وتعهدت باتخاذ إجراء إذا لم يقدم على استقالته، وأضافت أنه في حال لم يوافق مايك بنس نائب الرئيس على تفعيل المادة الـ25 من الدستور فستطرح تشريع العزل بمجلس النواب؛ لأن الرئيس بات يمثل تهديداً. من جهته دعا النائب آلان كيتزينغر إلى إعلان «الرئيس غير أهل لشغل منصبه».
السيناتور بات تومي رأى أن استقالته هي الحل الأفضل، فقد غرق دونالد في مستوى من الجنون وارتكب أفعالاً لا يمكن تصورها ولا تغتفر.
قضايا إرهاب
خلال الحرب الأهلية الطويلة، لم يظهر علم الكونفدرالية على مقربة من مبنى الكابيتول، ولكن الأربعاء، التقطت عدسات المصورين صورة رجل حمل هذا العلم متجولاً في أرجاء الكونغرس أمام صورة الناشط السياسي تشارلز سومنر المناهض للعبودية وصورة مالك العبيد جون كالهون.
ولطالما كانت الكونفدرالية رمزاً لدعم العبودية، وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت رمزاً يشير إلى قوانين جيم كرو والعزل العنصري وشعاراً شائعاً بين المتطرفين البيض حتى خارج الولايات المتحدة.
في سياق التعبئة العرقية هذه والخوف من إقدام الجماعات اليمينية المتطرفة على شن أعمال أكثر إجراماً، عززت السلطات الأمنية إجراءات في نواحي العاصمة والمطارات بعد أن كشفت عما لا يقل عن 25 قضية إرهاب محلية تتعلق بهجوم 6 يناير.
جيسون كرو عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب كشف أنه جرى العثور على بنادق طويلة وقنابل حارقة وعبوات ناسفة. وأفادت وزارة العدل اعتقال رجلين آخرين لصلتهما بأعمال الشغب والكشف عن تهديدات محتملة قد ينفذها إرهابيون في الأيام التي تسبق تنصيب جو بايدن.
تفاصيل جديدة
وفي سياق الكشف عن الثغرات الأمنية، أكد ستيفن سوند قائد شرطة مبنى الكابيتول أن مسؤولين أمنيين في مجلسي النواب والشيوخ عرقلوا جهوده لاستدعاء الحرس الوطني، وقال: «مسؤولو الأمن في المبنى تواطؤا بصورة ما مع مثيري الشغب»، وقبل يوم من أحداث الكابيتول التي شكلت زلزالاً سياسيا في البلاد، كان سوند قد أعرب عن قلقه إزاء حشود مؤيدي ترامب، وأكد أنه طلب من مسؤولي الأمن في مجلسي النواب والشيوخ وضع الحرس الوطني على أهبة الاستعداد إلا أنهم رفضوا.
أمن واغتيال
بعد أن تم الكشف عن معلومات أفادت بنية اغتيال نانسي بيلوسي وغيرها من الشخصيات السياسية من قبل متطرفين مؤيدين لترامب، كثفت السلطات الأمنية من إجراءاتها في نواحي العاصمة عموماً والمطارات خصوصاً. ونشرت التليغراف تقريراً أكد أن شرطة أمن الكونغرس ستنشر أفراداً إضافيين في ثلاثة مطارات إقليمية يوم التنصيب، وطالبت أعضاء الكونغرس بإرسال خطط سفرهم خلال تلك الفترة لتوفير أمن إضافي لهم. وأشارت إلى أن هذه الإجراءات جاءت بعد انتشار مقاطع مصورة على شبكات التواصل الاجتماعي، أظهرت وقوع ملاسنات بين ليندسي غراهام عضو الكونغرس الجمهوري ومسافرين مؤيدين لترامب.
وكان محققون فدراليون قد أوقفوا منذ أيام شاحنة محملة بالأسلحة والمتفجرات في محيط مبنى الكابيتول، واعتقلوا رجلاً كان يحمل بندقية ومئات طلقات الذخيرة الحية، بغية قتل نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب. وفي ألاباما أوقفت شاحنة صغيرة حملت بـ11 قنبلة ومسدسات وبنادق هجومية.
شبح الحرب الأهلية
خوفاً من تمادي جرأة المتطرفين بنشر المزيد من العنف خلال الأيام القادمة، حذر محللون من خطر ذهاب البلاد إلى حرب أهلية تعزز الانقسامات الداخلية في المجتمع الأميركي.
سارة باكستر أكدت في مقال لها نشر في «التايمز» البريطانية أن الولايات المتحدة تشهد استقطابًا سياسيًا يعد تقليلاً لما يجري، خاصة بعد اقتحام الكابيتول، وقد تدخل البلاد في حرب أهلية ثانية ما لم يتم الفصل بين الأميركيتين.
وتنقل سارة عن ريبيكا، وهو اسم مستعار كان يستخدمه أبراهام لينكولن، قولها إن الانقسام الأميركي أصبح عميقًا واستثنائيًا لا يمكن تصحيحه، والمطالبات بالتكاتف مرة ثانية من جانب كلا الحزبين لم تلق آذانا صاغية بما يكفي، لم يعد هناك أحد في الوسط، الجميع أصبحوا مع طرف ضد الآخر. وتضيف ريبيكا أن السؤال الأصعب في الوقت الراهن هو كيف ستعيش الأميركتين منفصلتين؟
هل يُسجن ترامب؟
فيما يتم البحث في عزل ترامب ومقاضاته، أوضح موقع إكسبرت أونلاين أن ترامب قد يصبح أول رئيس أميركي سابق يدخل السجن. وقالت إن أنصاره، الذين هبوا إلى دعمه باقتحامهم مبنى الكابيتول، أضروا به، فقبل أسبوعين من نهاية ولايته، يواجه الرئيس خطر العزل، الذي بدا كأنما قد زال.
ولكن وبطبيعة الحال، لن يسمح الجمهوريون برحيله بموجب التعديل 25. وفي الوقت نفسه، يعارض كل من بنس وميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، وعدد من ممثلي الأحزاب الأخرى بشكل علني فكرة مراجعة نتائج الانتخابات الرئاسية، أي أنهم فعليا ضد ترامب. وفي ظل هذه الظروف، من المحتمل أن يحظى عزل الرئيس في مجلس الشيوخ بثلثي الأصوات. إذا حدث هذا، فستتولى هيئات حماية القانون أمره، وعندها سيُذكرونه ليس فقط باقتحام مبنى الكابيتول، إنما بكل ما اتُهم به.
صحيفة تشبّه اقتحام الكونغرس باحتلال سفارة واشنطن بطهران
ساءلت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” عن أوجه الشبه بين اقتحام الكونغرس واحتلال السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979؟
التساؤل جاء على لسان جون ليمبرت الذي كان واحدا من آخر المسؤولين الأمريكيين الذين عملوا في إيران ومن ضمن الرهائن الذي احتجزوا في السفارة الأمريكية بطهران.
يقول ليمبرت إن المشهد المخجل يوم الأربعاء في مقر الكونغرس أعاد له ذكريات مثيرة للرعشة، قبل 41 عاما وبالذات في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1979.
يضيف ترامب في مقاله في الصحيفة الذي ترجمته “عربي21”: “واجهت أنا وزملائي في السفارة الأمريكية الغوغاء مثل يوم الأربعاء، غزوا لمجمع مقدس وتغلبوا على قوات الأمن غير المؤهلة وبتشجيع من القائد الأعلى للبلاد”.
ويقول إن التشابه بين الحادثين مثير للخوف، ففي صيف عام 1979 قام زعيم إيران، آية الله الخميني بتحريض أتباعه ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحمل الأمريكيين مسؤولية المشاكل التي تعاني منها إيران. وزاد نقده اللاذع بعد قرار الرئيس جيمي كارتر، وخلافا لتقديره الحكيم، بالسماح للشاه الإيراني المعزول دخول الولايات المتحدة لتلقي العلاج.
ورغم المخاطر الواضحة لم يكن لدى السفارة الأمريكية الدفاعات اللازمة لمواجهة هجوم الغوغاء كعملاء “للثورة الثانية وليست الأولى” في إشارة للثورة الإسلامية التي أطاحت بشاه إيران قبل تسعة أشهر من احتلال السفارة الأمريكية.
وقال: “في ذلك الوقت لعبت العقول الحكيمة للمارينر حراس الأمن على السفارة وبتدريبهم العالي وانضباطهم في حماية أرواحنا”. و”في يوم الأربعاء شاهدت مرة ثانية الغوغاء وهم يقتحمون بوابات بناية لا تنتهك حرمتها، ومرة ثانية شاهدت الفشل في توفير الدعم المباشر”، مضيفا: “عندما سمعت بيانات مثل “الحرس الجمهوري في طريقه وشرطة ميريلاند وفرجينيا قادمة” لم أستطع إلا تذكر الوعود من السلطات الإيرانية بأن “الدعم قادم وسريعا”.