الحرب الباردة تعود.. والصين مكان السوفييت في وجه الأميركيين

أنديرا مطر –
اعتبرت سيلفي كوفمان في صحيفة «لوموند» الفرنسية أن العقد الجديد سيشهد تنافسًا قويًا بين الولايات المتحدة والصين، مشبهة الأمر بعودة الحرب الباردة، التي أصبح معيار التفوق فيها التقدم التكنولوجي، وليس القوة العسكرية فحسب.
وتشير إلى أن فريق الرئيس الأميركي المنتخَب جو بايدن، يعتمد على الدعم الأوروبي في معركة التفوق التكنولوجي مع بكين.
وتابعت: «بدأ عام 2020 بشكل سيىء للغاية بالنسبة للرئيس الصيني شي جينبينغ، إلا أنه انتهى بأجواء احتفالية: المعركة مع فيروس كوفيد 19 أصبحت مجرد ذكرى سيئة، النمو الاقتصادي انتعش من جديد، وها هو العلم الصيني يرفرف على سطح القمر بعد خمسين عاماً من رفع الولايات المتحدة علمها عليه، صحيح، لكنه العلم الوحيد الذي يرافقه حتى اللحظة».
شعور الشماتة
لا شك بأن صينيين كثيرين يستمتعون بشعور الشماتة اللذيذ وهم يراقبون مصائب الآخرين، فعلى الجانب الآخر من المحيط الهادئ، لا يبدو المشهد مضيئاً الى هذا الحد.
لقد تجاوزت الولايات المتحدة للتو 300 ألف قتيل، قضوا بالوباء الصيني نفسه، الذي تفشى وأصبح خارج السيطرة بسبب استخفاف القادة وازدرائهم بالعلم، كما أن اقتصادها في حالة ركود.
وبينما يفتخر بايدن بأنه أزاح سلفه ديمقراطياً، مثبتاً أن الديمقراطية لا تزال تعمل، فإن ترامب مصمم على إفساد تلك الصورة بأبشع طريقة ممكنة.
مشهد غريب
يطل فجر عقد جديد بمشهد غريب، يعد بأن يكون تنافسيًا إلى أقصى حد بين عملاقين، الأول اعتاد الهيمنة على العالم خلال القرن العشرين، والآخر يضاعف جهده من أجل تحدي منافسه على أرضه، العولمة التي ظن الجميع أنها ستكون لمصلحته أصبحت بعيدة!
كأن العالم يعود إلى الحرب الباردة: كوكب واحد ونظامان. ولكن هذه المرة حلت الصين مكان الاتحاد السوفياتي في مواجهة الولايات المتحدة، لأن معيار التفوق يقاس اليوم في مجال الابتكار التكنولوجي أكثر بكثير من القوة العسكرية.
أوراق رابحة
على الرغم من المصاعب التي يواجهونها، إلا أن الأميركيين لا يفتقرون القدرة على التعافي. لقد أثبتوا ذلك مرات في السابق ولا يزالون قادرين على إدهاشنا. ففي مثال واحد، في ذروة الجائحة، أحدثت شركة «تسلا» ثورة في صناعة السيارات من خلال تقدمها التكنولوجي، وفتحت ثغرة يسعى المصنعون الصينيون إلى الدخول اليها.
يشير الاقتصادي توماس فيليبون الأستاذ في جامعة نيويورك الى أن الولايات المتحدة ستخرج من الوباء بأوراق رابحة. كما: «أمازون، زووم، واللقاح».
وهنا تجدر الإشارة الى تفصيل مثقل بالدلالات، وهو أن المختبرات الثلاثة التي تصدرت إنتاج اللقاح المضاد لـ “كوفيد 19” وهي “فايزر” و”بيونتيك” و”موديرنا”، يرأسها أو أسسها مهاجرون؛ زوجان تركيان أنشأ «بيونتيك» في ألمانيا، ولبناني من أصل أرمني أسس ويدير شركة «موديرنا» في ماساتشوستس، أما الرئيس التنفيذي لشركة «فايزر» فهاجر من اليونان الى الولايات المتحدة، وهو في الـ 34 من عمره، هذا التنوع الذي صنع قوة أميركا، غير موجود في الصين.
من جانبها، استفادت الصين من ولاية ترامب ومن الوباء. في بيئة عالمية معادية لا كالآن، لم يعد بإمكانها الاعتماد على نقل التكنولوجيا من الغرب؛ وعليها الاعتماد على قوتها الخاصة لتحقيق التقدم التكنولوجي السريع. هذه هي الرسالة التي حرص الرئيس شي جينبينغ على نقلها منذ أشهر، ولا سيما خلال انعقاد الدورة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي في أكتوبر، التي أورد بيانها النهائي أكثر من عشرين مرة كلمتي «الابتكار» و«التكنولوجيا».
يتعارض الموقف «الاستقلالي» هذا مع الخطاب التعاون الذي أثار ضجة كبيرة في دافوس في يناير 2017، الذي اعتبرته أورسولا فون دير لاين وزيرة الدفاع الألمانية آنذاك «نداء حيوياً لسياسة الأبواب المفتوحة، للحوار المباشر وضد الحمائية».
عمالقة رقمية لا يمكن إدارتها
آنذاك، دافع الرئيس الصيني بقوة عن حرية التجارة، طابعاً في ذهن العالم دعم الصين القوي للعولمة. اليوم، انقلب المد على هذه “المحيطات الشاسعة” التي يشبهها بالعولمة، “محيطات لا يمكن تحويلها إلى بحيرات مغلقة”. رجل الصين الأول يفضل الآن مفهوم «التداول المزدوج» عليها، ما يعني إعطاء أهمية أكبر للطلب المحلي بدلاً من الانفتاح الخارجي كمحرك للتنمية الصينية.
يعتبر المحلل جيمس كرابتري المقيم في سنغافورة أن هذه الإستراتيجية «المصممة لحرب باردة جديدة»، سيكون لها تأثير في تسريع الانفصال عن الولايات المتحدة، مع انصرافه الكامل إلى تعزيز سلطته، فإن الرجل الأول في الصين يقبع في منطق الإغلاق السياسي وإيقاف القطاع الخاص.
رئيس شركة «علي بابا» الملياردير الصيني جاك ما، دفع ثمناً باهظاً مقابل مزحة في منتدى شنغهاي، حيث أطلق على البنوك الصينية اسم «متاجر الرهونات»، وناقض علناً نائب الرئيس وانغ كيشان. بعد بضعة أيام، أوقفت الصين الاكتتاب العام لشركة تكنولوجيا الدفع الإلكتروني “آنت غروب” في شنغهاي وهونغ كونغ بصورة مفاجئة، بعد أن كانت «آنت» تستهدف جمع 35 مليار دولار في أكبر عملية اكتتاب في الأسواق العالمية.
ثمة قاسم مشترك بين جينبينغ والدوائر السياسية في الولايات المتحدة: الشركات الرقمية العملاقة سواء كانت صينية ام أميركية، أصبحت كبيرة جداً ولا يمكن التحكم فيها، وفق جاك ما. إنما وسائل التعامل معها تختلف اختلافاً جوهرياً. في واشنطن، تم اعتماد إجراءات مكافحة الاحتكار ضد «فيسبوك» و«غوغل». ومع الأخذ بالاعتبار مزايا نهج الاتحاد الأوروبي، الذي لا يمتلك أياً من هذه «التكنولوجيا الكبيرة»، لكنه يريد حماية المستهلكين من خلال قواعد مشددة تستهدف شركات تكنولوجيا عملاقة، قد تشكل سلطتها تهديداً للمنافسة وحتى للديمقراطية.
ومن هنا بدأت الفكرة التي تشكلت منذ انتخاب بايدن تتبلور: تحالف رقمي عبر الأطلسي، لمواجهة الإدارة الاستبدادية الصينية للإنترنت.