إسرائيل ستُجبر على تغيير إستراتيجيّتها.. فكيف سيكون المشهد؟

جان ماري توما-
مع هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نوفمبر الماضي، وبعد الفوضى التي حدثت في مبنى الكابيتول في 6 يناير، بدأت إسرائيل بالإهتمام في صياغة برنامج واستراتيجية سياسيّة جديدة، لطرحها بسرعة على إدارة جو بايدن المقبلة.
خلال حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحديدًا في النصف الثاني من ولايته، ركّزت الاستراتيجية الإسرائيليّة بشكل أساسي على محو الحقوق الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك دولة فلسطين. تم اتخاذ إجراءات عمليّة لدفع «إسرائيل الكبرى» إلى الأمام، من خلال ضم مناطق واسعة من الضفة الغربيّة. وإذا لزم الأمر، استعدّ الكيان الصهيوني لقبول كيان فلسطيني مجزّأ، خاضع للسيطرة الإسرائيلية كحل «للسكان» الفلسطينيين في «إسرائيل الكبرى».
لكن بعد هزيمة ترامب، أصبح من الواضح أنه لا يمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية. وهكذا، بدأت إسرائيل في البحث عن مخطّط بديل، باستخدام جميع الموارد. الهدف بالطبع هو ضمان التقدّم الإسرائيلي مع الحفاظ على الرؤية المذكورة أعلاه للمستقبل. يبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة تعتمد على منع أي خطوات جادة لتنفيذ حل الدولتين، مع محاولة استكمال الهدف المركزي، في الماضي والمستقبل، إضفاء الشرعية على مستوطناتها وتجنّب أي معارضة من قبل إدارة بايدن الجديدة.
بوسائل مختلفة، تنقل إسرائيل بالفعل رسائل إلى الإدارة الجديدة، بأنها لن تقبل أي جهود تجاه حل الدولتين، وبالتالي فإنّ أي محاولة من قبل الإدارة في هذا الصدد ستكون مضيعة للوقت ولن تحقّق أي شيء، على غرار ما حدث خلال سنوات بوش، كلينتون وأوباما، وفق ما ورد في موقع «Middle east eye».
تقول إسرائيل وأصدقاؤها إنّ البديل عن ذلك هو اتخاذ خطوات صغيرة لبناء الثقة وتحسين الوضع الفلسطيني والظروف الاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني. والأسوأ من ذلك أن بعض الإسرائيليين يتحدثون فقط عن ضرورة ضمان سلامة وأمن كل الموجودين بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، سواء في إطار حل الدولة الواحدة أم لا. المعنى هنا واضح والهدف المخزي هو مرة أخرى محاولة إضفاء الشرعية على المستوطنات والمستوطنين، وحتى منحهم حقوقًا بدلًا من إدانة وجودهم، وهو ما يشكّل استعمارًا صارخًا، ما يعادل جريمة حرب.
كيف يمكن أن تستعيد السياسة الأميركيّة مصدقيّتها؟
ما هي الاستراتيجية الفلسطينية في مواجهة كل هذا؟ من الصعب الحديث عن استراتيجية واضحة ظهرت وتتشكّل. الصورة مغبّشة باستثناء بعض المواقف التقليديّة التي تتكرّر من وقت لآخر.
ولكن طريق بايدن إن أراد إستعادة المصداقيّة، فممكن توقّعه: هناك سلسلة من الإجراءات أو الخطوات، تغيّر المسار الذي اتّبعه ترامب. يجب أن يكون هذا جزءًا من السياسة العامة للإدارة الجديدة،جنبًا إلى جنب مع أمور مثل تصحيح سياسة الولايات المتحدة بشأن تغيّر المناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وحلف شمال الأطلسي، الاتفاقية النووية الإيرانية. يجب أن تتضمن هذه الإجراءات والخطوات ما يلي: استئناف التمويل للأونروا، استئناف المساعدة للجانب الفلسطيني، إلغاء إعلان ترامب للقدس عاصمة إسرائيل، ونقل السفارة الأميركية. اتخاذ موقف حازم ضد أنشطة الاستيطان؛ وأخيرًا إعادة فتح التمثيل الفلسطيني في واشنطن العاصمة، الذي أُغلق في عام 2018. إلى جانب التأكيد الواضح على دعم حل الدولتين، فهذه خطوات أساسية يجب أن تتخذها الإدارة الجديدة وضرورية لاستعادة المصداقية والتوازن لسياسة الولايات المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
من الضروري أن تبدأ إدارة بايدن بهذه الخطوات حتى تفهم إسرائيل أننا الآن في عصر جديد وأنه يجب عليها الانخراط بشكل مختلف. وإلا فسيكون من المستحيل إحراز أي تقدم بعد ذلك، وفق ما ورد في موقع «Middle east eye».
استعادة السياسة التقليديّة
ردًا على ذلك، ستعارض إسرائيل – بالطبع – تلك الخطوات وتقاومها، لا سيّما إعادة القنصلية العامة والخطوات المتعلقة بالمستوطنات. كجزأ لا يتجزأ من استعادة السياسة الأميركية التقليدية وتطوّرها الطبيعي، يجب اتخاذ الإدارة لهذه الخطوات أعلاه بسرعة. ثم تأتي المهمة الأكثر صعوبة، وهي العمل على تحقيق حل سياسي للصراع. من المرجّح أن يتطلب ذلك وقتًا، في ضوء الأولويات العديدة التي تواجه الإدارة الجديدة مثل مكافحة جائحة فيروس كورونا، تحسين الظروف الاقتصادية، بالإضافة إلى القضايا العالمية المتعلّقة بتغير المناخ والمنظمات الدولية والعلاقات مع الصين، إلخ. يبدو من المرجح أن الإدارة الجديدة لن تكون عازمة على اتباع نهج أحادي الجانب، وهي السمة المميزة للاحتكار الأميركي السابق لعملية السلام. وعلى هذا النحو، ينبغي أن تكون منفتحة على آلية متعدّدة الأطراف وربما حتى لتعزيز توافق دولي واسع في الآراء، على شكل حل. سيكون هذا بالطبع تطورًا إيجابيًا ومنطقيًا، على الرغم من حقيقة أنه سيتطلّب مزيدًا من الوقت. وسيتطلب أيضًا نشاطًا سياسيًا فلسطينيًا بدءًا من صياغة موقف مشترك مع بعض الدول العربية.
أخيرًا، هناك أولويات كثيرة أمام إدارة بايدن الجديدة ولكن مع الوقت ستأتي الفترة التي سيصبح الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني موضوع نقاش وعمل.
ما طُرِح أعلاه هو مسار مرجّح ممكن انّ يتّخذه بايدن، ولكن في السياسة العالميّة تعلّمنا أنّ لا يوجد مستحيل، الأمور ممكن ان تنقلب رأسًا على عقب في ليلةٍ وضحاها. التدابير والأساليب ممكن أن تتغيّر مع جو بايدن ولكن، سياسة الولايات المتحدة وتمسّكها بالوجود القوي لإسرائيل لن يزول أبدًا ولن يتغيّر.