
ترجمة أنديرا مطر
سبع سنوات مرت على تحرير مدينة جرف الصخر العراقية من تنظيم داعش الإرهابي، واكثر من ثلاث سنوات على اعلان «النصر الكامل» على التنظيم في العراق، ولا تزال هذه المدينة محظورة على أهلها الذين يمتد وجودهم فيها لأكثر من 500 عام، وهم اليوم مشتتون في مخيمات بين الأنبار واللطيفية وكردستان.
ناحية جرف الصخر محتلة من قبل ميليشيا كتائب حزب الله الموالية لإيران، وهي تتمتع بموقع استراتيجي مهم، كونها تربط اكثر من محافظة في العراق، وهي غنية بثروتها الزراعية والحيوانية، ما يفسر فشل الوساطات التي قادها سياسيون مع أعلى المراجع الشيعية في لبنان وايران، لإعادة سكانها اليها.
صحيفة لوموند الفرنسية نشرت تحقيقا عن أوضاع النازحين ومعاناتهم بعد اجبارهم على ترك ممتلكاتهم. وتحدثت الصحيفة الى نواب عراقيين توسطوا من أجل تأمين عودة الناس الى مدينتهم من دون ان تفلح وساطتهم.
ضابط سابق في كوخ
«أهلا بكم في جرف الجوع»، يقول حامد محمود (54 عاماً) محاولا اخفاء حرجه من استقبالنا في كوخ من الطوب في مخيم مؤقت في وسط صحراء الأنبار، غرب العراق.
ومحمود ضابط سابق في جيش نظام صدام حسين البائد، اضطر الى مغادرة بلدته والتخلي عن أراضيه الزراعية، شأنه شأن سائر افراد قبيلة الجنابي البالغ عددهم 85 ألفًا، وذلك بعد الهجوم الأخير الذي شنته الفصائل الموالية لإيران على «داعش».
كتائب حزب الله: «جرف النصر»
ومع ان الحكومة العراقية أعلنت عزمها على إعادة كل النازحين بحلول منتصف عام 2021 (1.3 مليون، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة)، إلا أنها لم تطرح حلاً لعودة سكان جرف الصخر. من جانبها، لا تظهر الميليشيات الشيعية أي نية لإخلاء البلدة التي استبدلت اسمها بـ«جرف النصر».
المتحدث باسم كتائب حزب الله، محمد محيي، قال ان المنطقة دمرت جراء المعارك، وعندما يعاد إعمارها، «سنرى»، فيما يقول خبراء ان الميليشيا أقامت معسكرات وسجونا سرية في المنطقة.
أحد المقربين من عدنان الجنابي زعيم عشيرة الجنابي، لم يكشف عن هويته خوفا من الانتقام، أكد أن احدا لا يستطيع دخول المنطقة، حتى وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي اعتقل على أبواب المدينة عام 2018! وقال «أتحدى رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، ان يتوجه إلى هناك».
القرار بيد إيران
كل الوساطات والمبادرات التي قام بها الجنابي والسياسيون السنة باءت بالفشل. النائب أحمد المساري قال محتجا «منذ تحرير المدينة نناقش مسألة العودة مع الحكومة والأحزاب الشيعية. حتى إننا اشترطنا حل هذه المشكلة قبل تشكيل الحكومة، لكنهم يراوغون لأن القرار ليس بأيديهم، بل بيد إيران».
بدوره أفاد فيصل عيساوي، وهو نائب عن عامرية الفلوجة، المدينة التي تستضيف معظم نازحي جرف الصخر، أن الجنابي زار لبنان والتقى أمين عام حزب الله حسن نصر الله كما توجه الى إيران والتقى المرشد الأعلى علي خامنئي، لكنه لم يحصل سوى على وعود. وفي نهاية عام 2019 ذهب وفد برلماني إلى إيران وقابل الرئيس حسن روحاني والجميع غسل يده من القضية.
الملف معقَّد
بعد استنفاد كل السبل من أجل العودة، عاد الشيخ الجنابي للقاء الضابط السابق حامد محمود وأبناء عشيرته في عامرية الفلوجة. «أخبرنا أن الملف معقد وحثنا على التحلي بالصبر»، يقول محمود الذي لم يعد لديه ترف الانتظار، لا سيما بعد وفاة الرجل الذي قدم له ولـ300 أسرة أخرى ارضاً من دون مقابل. ويخشى ان يلجأ الورثة الى طردهم من الارض.
ويعيش محمود مع وزوجته وأطفالهم الثمانية، الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 30 عاماً، من راتبه التقاعدي الذي لا يكفيه لتأمين الأساسيات.
حتى المحظوظين ممن وجدوا عملاً لا يروون سوى حياة البؤس اليومية. سعدون رشيد (48 عاماً) يقيم مع زوجته وأطفاله الخمسة في منزل من الطوب، على ضفة نهر الفرات بجوار مزرعة أسماك يعمل بها ويتقاضى 200 دولار شهريًا لا تكفيه للطعام.
إجبار الميليشيات على الإخلاء
في مخيم عامرية الفلوجة، لا يوجد سوى أرامل وعائلات فقيرة للغاية، أو عائلات مرتبطة بـ«داعش». منذ منتصف نوفمبر 2020، أغلقت وزارة الهجرة أكثر من عشرة مخيمات، ضمن خطة للعودة الطوعية، ومن دون تسهيل عودة النازحين إلى ديارهم.
بغصة يروي إسماعيل حمود مزهر قصة شقيقيه اللذين اضطرا لمغادرة مخيم الحبانية والاقامة في خيام على الجانب الآخر من الطريق، ويخشى مزهر، وهو أب لـ12 ولدا، من إغلاق مخيمات عامرية الفلوجة التي لا تزال تستضيف 953 عائلة.
تهميش المخيمات خطر
النائب فيصل عيساوي كان يتمنى أن يقدم شيئا آخر غير المخيمات للنازحين. «التهميش الذي تكابده مخيمات النازحين يجعلها مدارس لتخريج ارهابيي المستقبل، كنا نتمنى ان تبذل السلطات مزيدا من الجهود لتنظيم الاوضاع بعد التحرير».
حالة سكان جرف الصخر أكثرها تعقيدا برأيه، فلا العودة مسموحة ولا نقلهم الى منطقة آخرى ممكنة. «يملك الشيخ عدنان الجنابي أراض شاسعة خارج جرف الصخر، لكنه لا يريد اقتلاع الاهالي من أراضيهم».
بدوره، يشدد النائب احمد المساري ان المسوؤلين السنة، يرفضون رفضا مطلقا انتزاع جرف الصخر من اهاليها لأنها منطقة استراتيجية وغنية، ولن يستبدلوا بها اي مكان آخر، والحل يكمن بإجبار الحكومة الميليشيات على إخلاء المنطقة.