طهران تنتقل «نووياً».. من السلمي إلى العسكري
اتَّخذت خطوات لصناعة القنبلة وركَّبت أجهزة لإنتاج اليورانيوم في أصفهان

خالد جان سيز-
التحذيرات من اقتراب إيران من صناعة قنبلة نووية دائماً ما تكررت خلال السنوات السابقة، ولم يثبت حتى الآن أنها كانت مطابقة للحقيقة. لكن تزايد التحذيرات أخيراً بعد أن أعلنت طهران في 4 الجاري عزمها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى %20 في منشأة فوردو، وتزامُن التحذيرات مع حديث عن استهداف مقاتلات إسرائيلية أهدافاً لإيران في مدينة البوكمال شرقي سوريا، فيها معدّات تتصل بالبرنامج النووي، أثار مخاوف جدية من نية طهران تسريع الحصول على القنبلة.
أحدث تحذيرين من اقتراب إيران من صناعة قنبلة نووية كان من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أبدت هواجسها من رفع التخصيب إلى %20، ومن إسرائيل التي رأت أن إيران على بعد عام من القنبلة.
وأمس، أضيف شيء جديد إلى تلك المخاوف، حيث قال مفتشو الأمم المتحدة في تقرير سرّي إن إيران اتخذت خطوة جديدة نحو إنتاج محتمل للأسلحة النووية، حيث بدأت العمل على خط تجميع لتصنيع مادة رئيسة في صميم الرؤوس الحربية النووية.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقرير للدول الأعضاء، شاهدته صحيفة وول ستريت جورنال: إن إيران أبلغت الوكالة أنها ستركِّب معدّات لإنتاج معدن اليورانيوم في موقع بأصفهان، خلال الأشهر الأربعة إلى الخمسة المقبلة. ويمكن استخدام معدن اليورانيوم لبناء قلب سلاح نووي.
وأردفت الوكالة أنه في يناير 2019، أبلغتها إيران أنها تعتزم إنتاج وقود أكثر تقدّماً لمفاعل طهران للأبحاث. وبعد أن ضغطت عليها الوكالة مراراً وتكراراًً، وضعت خطة في منتصف ديسمبر، تقول إنها ستصنع معدن اليورانيوم لصنع وقود متقدم لمفاعل طهران.
وأفاد مسؤولون غربيون بأن إيران لم تصنع اليورانيوم حتى الآن. وقالت الوكالة إن طهران لم تعطها أي جدول زمني لموعد قيامها بذلك.
ومع ذلك، فإن هذا التطور يقرِّب إيران من عبور الخط الفاصل بين العمليات النووية ذات الاستخدام المدني المحتمل، مثل تخصيب الوقود النووي لمفاعلات توليد الطاقة، وأنشطة الأسلحة النووية.
معطيات علميّة
بالأرقام ــــ وفق خبراء في مجال الفيزياء النووية ــــ فإن احتياطات اليورانيوم التي تمتلكها إيران تكفي لصناعة قنبلة، ووفقاً لآخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير الماضي، يبلغ احتياطي اليورانيوم في البلاد 202.8 كيلوغرام. أما نسبة اليورانيوم المخصب لديها فتصل إلى %3.67؛ أي بمعدل 149.4 كيلو غراماً من إجمالي الاحتياطي.
لكن صناعة القنبلة لا تتم بواسطة مكوّن كيماوي فقط، حيث ستكون إيران بحاجة لأجهزة تفجير وقذيفة مدمجة، كما أنها تتطلب تخصيب %90 من اليورانيوم على الأقل.
غير أن الخبراء يلفتون إلى أنه ليس من الضروري استخدام اليورانيوم لصناعة القنبلة، حيث من المرجح أن يكون البلوتونيوم بديلاً مناسباً.
لكن إيران لا تملك احتياطيات من هذا العنصر، كما لا تستطيع استخدام اليورانيوم أو البلوتونيوم بشكل مستقل لصنع قنبلة، وإنما تحتاج الوقود المستهلك في محطات الطاقة النووية.
ويوضح الخبراء أنه على الرغم من أن المادة ستكون أقل جودة بكثير، والرؤوس الحربية لن تكون مدمجة بشكل جيد، فإن إيران يمكن لها في هذا الحال إنتاج قنبلة نووية في أقل من عام واحد.
رسائل متعددة
عسكرياً، ووسط هواجسها من الحشد الأميركي في الخليج، وتحليقات «بي – 52»، وفي سياق إظهار جهوزيتها لأي مواجهة محتملة، بدأت إيران مناورات «اقتدار» البحرية الصاروخية، وهي الرابعة في غضون أسبوع، وموقعها في بحر عُمان وشمال المحيط الهندي، مع عرض سفينتين حربيتين جديدتين.
وشاركت في التدريبات التي تستمر يومين السفينة الحربية «مكران»، المحلية الصنع، التي وصفتها وسائل إعلام رسمية بأنها أكبر سفينة حربية إيرانية، وتضم منصة لطائرات الهليكوبتر، وسفينة الصواريخ «زره» (المدرعة).
سياسياً، وفي رسالة إلى إدارة الرئيس المنتَخَب جو بايدن، تسلّط الضوء على مطلب إيران الملحّ في أي مفاوضات مقبلة، أعلن سعيد جليلي، مستشار المرشد علي خامنئي للأمن القومي أن الفريق الذي سيعمل مع بايدن «كان مهندس العقوبات ضد إيران خلال رئاسة باراك أوباما»، متوقّعاً أن تقوم «إدارة بايدن بتحويل الضغط الأقصى لإدارة دونالد ترمب إلى ضغط ذكي».
ويأتي تصريح جليلي بعد يوم من اشتراط علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد للشؤون الدولية «إلغاء آلية الزناد»، التي فعّلها ترامب.
لكن في الواقع، إيران فشلت في إبعاد أوروبا عن أميركا في ما يتعلق بالملف النووي، ولم تستطع تعديل نظام «إنستكس» الأوروبي للتعاملات النقدية، ولم تحصل على تأمين الغذاء والدواء، لا بل ألزمت أوروبا طهران استقبال مفتشي وكالة الطاقة الذرية، والكشف عن مواقع نووية خفية، وإرفاقها بتقارير.
بدوره، أكد الرئيس حسن روحاني أن الولايات المتحدة تشهد فشلاً سياسياً واجتماعياً، في الوقت الذي تشهد بلاده انتصاراً على سياسة الضغوط القصوى الأميركية. وأضاف أن الظروف ستتغير خلال الأشهر المقبلة، وأن إدارة بايدن لن تكون قادرة على مواصلة سياسات الإدارة السابقة.
الضربة المُحتَمَلة
في سياق مواصلة الضغوط حتى اللحظة الأخيرة من ولايته، فرض ترامب عقوبات جديدة تستهدف إيران، شملت 3 شخصيات و16 كياناً.
وذكرت وزارة الخزانة أن العقوبات تشمل 16 كياناً لها صلات بقيادات إيران، ومواطنينِ إيرانيين اثنين، إضافة إلى مواطن عراقي، يُتهم بأنه مرتبط بتنظيم داعش.
وأوضحت الوزارة أن قائمة العقوبات أُدرجت فيها منظمتان إيرانيتان، يسيطر عليهما المرشد علي خامنئي، وعدد من فروعهما.
وقال وزير الخزانة ستيفين منوتشين إن المنظمتين «تمكِّنان النخبة الإيرانية من الاستمرار في المحافظة على نظام الملكية الفاسد لقطاعات كبيرة من الاقتصاد الإيراني».
واليوم، تنسّق تل أبيب وواشنطن سياسياً وعسكرياً وإستراتيجياً ضد إيران، وعلى الرغم من أن الانطباع العام بأن ترامب لن يوجه ضربة اللحظة الأخيرة إلى إيران، فإن الحسابات الخطأ من طهران قد تؤدي إلى تفجير المواجهة.