تقارير

إيران تتلقى أقوى الضربات في سوريا.. والهدف «نووي»

18 غارة على مواقعها شمال شرقي البلاد.. بالتنسيق مع واشنطن

ولاء عايش

ضربة موجعة تلقتها ايران أمس في سوريا هي الأعنف والأقسى منذ سنوات، وهي أبعد من استهداف تموضعها في هذه النقطة الجيواستراتيجية. فلم يمر الكثير من الوقت عن إعلان مصادر مقربة من تل أبيب نية اسرائيل في تحويل سوريا إلى ساحة قتال عالية الدقة مع إيران خلال عام 2021 حتى نفذت وعدها، إذ شنت 18 ضربة جوية هزت المنطقة الممتدة من مدينة دير الزور إلى الحدود السورية العراقية في بادية البوكمال فجر أمس الأربعاء مستهدفة مستودعات عياش ومعسكر الصاعقة ومستودعات ذخيرة وسلاح، بعد أن نفذت أولى ضرباتها في 6 يناير بريف السويداء الغربي.

التمركز الإيراني في المنطقة المشتركة على الحدود الشمالية تجاوز الخط الأحمر بالنسبة لاسرائيل، لذا قصفت منشآتها وقوافلها ومستودعاتها بشكل متواصل خلال 2020، لكن المختلف في ضربة أمس هو التعاون النادر بين واشنطن وتل أبيب، حيث استهدف الطرفان في الضربة الأخيرة مستودعات استخدمت لتخزين أسلحة إيرانية ومكونات مخصصة لدعم برنامج طهران النووي.

مسؤول استخباراتي أميركي رفيع المستوى أكد لوكالة «أسوشيتد برس» أن الجولة الأخيرة من الغارات الإسرائيلية على شرق سوريا نفذت بناء على بيانات استخباراتية قدمتها الولايات المتحدة. وكان مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي قد بحث مع يوسي كوهين رئيس جهاز الموساد هذا القصف خلال لقاء في مطعم كافيه ميلانو الشهير بواشنطن يوم الاثنين، وهي حادثة نادرة للتعاون المعلن عنه بين البلدين بشأن اختيار أهداف في سوريا.

وذكر المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه أن القصف استهدف سلسلة مستودعات استخدمت لتخزين أسلحة إيرانية ومكونات مخصصة لدعم برنامج طهران النووي.

ما الجديد؟

ليست المرة الأولى التي تقصف إسرائيل مواقع إيرانية في شمال شرقي سوريا، لكن فجر أمس كان مختلفاً إذ كانت الغارات هي الأعنف منذ 2018 تسبب بخسائر هي الكبرى حيث تم الإعلان عن أكثر من 50 قتيلاً من ميليشيات ايران ونظام الاسد، اضافة إلى 28 جريحاً بحالة خطيرة. كما أن الضربة هي الأوسع نطاقاً على الإطلاق حيث طالت 13 موقعاً في مدينة دير الزور والبوكمال والميادين وكل ضربة كانت محملة بأكثر من صاروخ، علماً بأن مدينة دير الزور تضم مواقعَ للنظام السوري وروسيا.

كما أن الضربة تأتي في أعقاب رفع القوات الروسية لوتيرة تواجدها في المنطقة عبر نشر شرطتها العسكرية في مواقع تضم ميليشيات إيرانية، ومناطق محاذية لنفوذ أميركا وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، فقد عززت موسكو نشر الفيلق الخامس الذي تدعمه في المناطق الحدودية مع العراق وكذلك المناطق القريبة من تركيا.

إحراج بايدن

وتشهد إسرائيل أجواء مشحونة بسبب الرسائل المتضاربة من المرافق العسكرية في تل أبيب وواشنطن، حول احتمالات توجيه ضربة لإيران عقب استئنافها تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وهو ما أدى إلى انقسام بين من يرى أن القرار الإيراني هو استفزاز يحتاج إلى رد فوري، ومن يعتقد أنه مجرد إجراء يضاف إلى خطوات أخرى تستهدف فقط استعراض العضلات قبيل استئناف المفاوضات مع إدارة جو بايدن. وفي هذا السياق يشي القصف الأخير بأن الهدف أيضاً إحراج ادارة بايدن التي ستتسلم مهامها الأسبوع المقبل وتسعى للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. وفي هذا الإطار كشفت مصادر إسرائيلية نية تل أبيب بتكثيف الهجمات حتى يوم 20 يناير يوم تنصيب الرئيس بايدن. وحسب محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، فإن إيران تتقدم بخطى حثيثة نحو التسلح النووي، وإن الأمر يزعج كثيرين في تل أبيب وواشنطن، لدرجة تجعل التفكير في توجيه ضربة عسكرية لها غير بعيد عن الواقع. وتوقع فيشمان استمرار ارتفاع مستويات التوتر الحالي حتى 20 يناير.

وكان رئيس الأركان الأميركي مايك ميلي زار تل أبيب نهاية الشهر الماضي، لبحث «التحديات والتغيرات الأخيرة في الوضع العملياتي بالشرق الأوسط والملف الإيراني» في سوريا، ويعتقد أن الرسالة كانت أن التنسيق العسكري ضد إيران غير مرتبط بالتغيرات السياسية بقدر ما أنه مرتبط بـ«الدولة العميقة».

تأهب مرتفع جداً

ويبدو أن إسرائيل تستعد للجم هجوم محتمل ضدها، بصواريخ ومقذوفات وطائرات من دون طيار، من جانب منظمات تعمل بتوجيه إيراني، وعلى عدة جبهات: سوريا ولبنان في الشمال، والعراق في الشرق، واليمن في الجنوب. وفي هذا الاطار كشف المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل أن «سيناريو هجوم أميركي ضد إيران ليس معقولاً من وجهة النظر الإسرائيلية». ونقل عن مصادر إسرائيلية ان الجيش الإسرائيلي على اتصال دائم مع البنتاغون، ومستوى تأهب الجيش الإسرائيلي حالياً مرتفع جداً، فقد تم نصب بطارية دفاع جوي لصواريخ باتريوت في إيلات، والطيران الحربي يحلق بشكل مكثف في جميع الجبهات، وكذلك في الأجواء اللبنانية، خاصة في سماء بيروت وعلى ارتفاعات منخفضة.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن التحليق الجوي ضروري لأن حزب الله ينتهك القرار الأممي 1701 الذي يمنعه من بناء قدراته العسكرية والعمل بالقرب من الحدود. وجدد مصدر عسكري إسرائيلي أمس، تأكيده أن القوات الإسرائيلية متأهبة وتقف بالمرصاد تجاه أي تحرك لحزب الله. وقال: «إن أي عملية من حزب الله ستقابل بضرب بنك أهداف كامل في لبنان»، مضيفاً أن «حزب الله ما زال يحاول اصطياد جندي إسرائيلي مقابل المسؤول الذي قتل بغارة في سبتمبر الماضي داخل سوريا».

سيطرة واسعة

ولا تزال اسرائيل تفرض سيطرتها على الأجواء لا سيما جنوبي دمشق، فمعظم الضربات العسكرية تشمل هذه المنطقة بالتحديد ما يطرح تساؤلات عن حجم النفوذ الإيراني في المناطق المستهدفة، لا سيما في مدينة الكسوة، حيث ينتشر الحرس الثوري. ونشرت إيران معظم ميليشياتها في الكسوة لاعتبارها منطقة عسكرية بامتياز. ووفق مختصين تبنت إيران خلال العامين الماضيين استراتيجية جديدة تقوم على إلباس عناصرها بلباس الجيش السوري في الجنوب، في إطار عمليات تمويه كشفتها إسرائيل وتطرق الحديث عنها، في أكثر من مرة.

ومنطقة الكسوة ومحيطها تعتبر بوابة دمشق الجنوبية وتلعب دوراً مهما بالنسبة لكل القوى المؤثرة في الشأن السوري، سواء الجيش الذي يتمركز بأربع فرق، أو بالنسبة لإيران التي تملك فيها تلالا حاكمة وأجهزة رصد ورادار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى