ترامب المتمرد على السلطة يعدّ أيامه الأخيرة

ولاء عايش
دقت ساعة الرحيل، وحان الوقت لانتهاء ثرثرة شعبوية وخطاب طنان اعتاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على انتهاجه طوال مدة ولايته في السنوات الأربع الماضية، مَن رفع شعار إعادة المجد والعظمة لأميركا يجلس وحيداً معزولاً محبطاً يعد أيامه الأخيرة. الرئيس المتمرد على كل سلطة لم تعد قدماه في ساحة المعركة، وانتهى حتى في العالم الافتراضي، بدأ يلملم خيباته ويحزم أمتعته لمغادرة البيت الأبيض. في حين أن حياته قبل اقتحام الكونغرس ليست كحياته بعده، فقد يتغير عالمه للأبد.
مع بقاء أقل من سبعة أيام على تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، تقلصت دائرة ترامب وازاداد غضباً واستياءً بمشاهدة إجراءات العزل تكتسب منحى سريعاً دون تحرك شرس من قبل مؤيديه، بمن فيهم كايلي مكناني الناطقة باسم البيت الأبيض، ومستشاره وصهره جاريد كوشنر، والمستشار الاقتصادي لاري كودلو، ومارك ميدوز كبير موظفيه.
صحيفة نيويورك تايمز كشفت كواليس أول تسجيل للرئيس، الذي دعا فيه أنصاره إلى الهدوء، وتعهد بمحاسبة المتورطين في حادثة اقتحام الكونغرس بعد قرار مجلس النواب بعزله، وقالت إن خروج ترامب للحديث جاء إثر ضغط شديد من مستشاريه، على رأسهم كوشنر، ومايك بنس، بضرورة الإعلان صراحة عن إدانته لعنف الغوغاء في الكابيتول، ولحض أنصاره على الامتناع عن أي أعمال شغب أخرى الأسبوع المقبل، حيث أخبروه جميعهم بأن هذه هي الخطوة الصحيحة التي ينبغي اتخاذها.
كما أن مقطع الفيديو نُشر بعد ساعات من مساءلة ترامب للمرة الثانية خلال ولايته بغرض عزله، فيما أشار مستشارون إلى أن الدافع وراء الفيديو هو إدراك ترامب التداعيات الكارثية ليوم 6 يناير.
وكشفت الصحيفة أن ترامب أمضى الأربعاء يراقب وقائع المساءلة التي عقدها مجلس النواب بغرض عزله، وأخبر مستشاريه أنه استشاط غضباً من زعيم الأغلبية الجمهورية ميتش ماكونيل، فيما انصب غضبه الأكبر على زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي، لإدانته علانية.
من ناحية أخرى، قال أحد مستشاري الرئيس إن علاقته بمحاميه الشخصي رودولف جولياني الذي لطالما حرّضه على تصديق نظريات المؤامرة حول تزوير واسع النطاق للانتخابات، قد ضعفت إلى حد كبير.
لن يستقيل
ووفق مسؤولين في الإدارة، يرفض ترامب حتى الآن الموافقة على خطة من شأنها إطلاق عمله السياسي مجدداً، إذ ناقش بعض المستشارين إمكانية استقالة ترامب قبل أيام قليلة من انتهاء فترته الرئاسية رسمياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن قراراً كهذا سيسمح له بخيار الترشح مرة أخرى عام 2024، وربما يتجنب خطر إدانته ومنعه من تولي أي منصب في المستقبل.
ومع ذلك، رفض ترامب أي اقتراح بترك الرئاسة مبكراً، واستدل بحالة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، الذي انتهى تأثيره في الحزب الجمهوري عندما استقال، ولم يعد لديه ما يقدمه، حسب المصادر.
نهاية في العالم الافتراضي
إجراءات أخرى تقلق الرئيس بشكل أكبر، خوفاً من تداعياتها على المدى البعيد، تشمل إغلاق عمالقة العالم الافتراضي تويتر وشركات التواصل الاجتماعي الأخرى لحساباته، في فارقة مثّلت تحولاً كبيراً بملعبه السياسي، وأخيراً أغلقت «سناب شات» حسابه بشكل نهائي، وقالت: «حرصاً على السلامة العامة، وفي ضوء محاولات الرئيس نشر معلومات مضللة ونشر خطاب كراهية يحرض على العنف، وهي انتهاكات واضحة لقواعدنا، قررنا إغلاق حسابه نهائياً».
ووفق إدارات هذه المواقع، لم يقم شخص في تاريخ البشرية بنشر نظريات المؤامرة بين عدد كبير من الناس مثلما فعل ترامب. وأضافت أن من يقرأ تغريدات وتعليقات ترامب يرى أن هناك حجماً هائلاً من الأكاذيب والإهانات التي تخدّر العقل.
ليس هذا فحسب، فترامب غاضب أيضاً من تخلي إعلاميين اعتادوا الدفاع عنه منذ فترة طويلة، بينهم كيمبرلي ستراسل الصحافي في «وول ستريت جورنال»، ولورا إنغراهام المقدمة في قناة فوكس نيوز.
حزم الأمتعة
ساعة رحيل ترامب وطاقمه عن سدة البيت الأبيض اقتربت، ولم يكن ترامب أشد عزلة في أي وقت له في البيت الأبيض مما كان هذا الأسبوع، ووفقاً لأشخاص ذهبوا للعمل هناك، فإن البيت الأبيض كان قليل الموظفين، وهؤلاء الذين ذهبوا إلى العمل حاولوا تجنب المكتب البيضاوي. في حين بدأت بالفعل ترتيبات الإخلاء تأخذ مجراها، حيث التقطت وكالة رويترز مشاهد لحزم أمتعة وصناديق تخرج من القصر الرئاسي، والتقطت صورة لبيتر نافارو مستشار البيت الأبيض للتجار يغادر الجناح الغربي، حاملاً صورة ترامب في اجتماع مع الرئيس الصيني.
وبينما يخلي الرئيس المنتهية ولايته المكان، بدأت الطواقم المختصة تحضيره لولي العهد الجديد، بإعادة ترتيب القصر الواقع في بنسلفانيا:
– تبلغ مساحته 55 ألف قدم مربعة.
– يضم 6 طوابق و132 غرفة إلى جانب 35 حماماً.
– يحتوي على 28 موقد تدفئة و8 سلالم و3 مصاعد و412 باباً و147 نافذة.
– يملك مطبخاً مجهزاً لتقديم عشاء كامل لما يصل إلى 140 ضيفاً.
أزمة الجمهوريين
في الوقت الذي عبّر فيه ترامب عن استيائه لموقف الجمهوريين من قضيته، صادق 10 فقط في مجلس النواب على مشروع محاكمته برلمانياً، فيما لم يدل 4 بأصواتهم، مقابل رفض 197 عضواً التخلي عنه، ما أثار التساؤلات حول مدى احتفاظ ترامب بسطوته على القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري وخشية الساسة من فقدان أصواتهم في حال وقفوا ضده.
وخلال جلسة مناقشة تمرير العزل، أعرب أعضاء ديموقراطيون عن استيائهم إزاء إصرار نظرائهم الجمهوريين على حماية ترامب، رغم أن واشنطن تحولت بسببه إلى ثكنة عسكرية، وبات ينتشر فيها جنود يزيد عددهم على الموجودين في العراق وأفغانستان، فضلاً عن تضرر صورة البلاد أمام العالم.
ورغم تمرير القرار أخيراً، تبقى إدانته بالتحريض على العصيان بيد مجلس الشيوخ.
موقع «أكسيوس» بدروه أكد أن الجدل القائم بين زعماء الحزب، يدور حول ما إذا كان ينبغي التخلص من ترامب سريعاً عبر مسار محاكمته وخنق صوته، أو تركه يموت وحيداً وتجنب تحويله إلى مسيح للقاعدة المحافظة في البلاد.
وفي السياق، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريراً أكد أن الانشقاق داخل الحزب الجمهوري كبير لكنه ليس هائلاً، وغالبية الجمهوريين يتهربون من الدفاع عن ترامب مباشرة فبالنسبة إلى حزب قضى 4 سنوات كاملة يحاول إزالة الخلافات بين أعضائه، وبينهم وبين رئيس غريب الأطوار، كان من اللافت سماع تلك المعارضة الخافتة.
إجراءات الدستور
بعد تصويت مجلس النواب بالإجماع على قرارعزل ترامب، بات يمكن لرئيسة المجلس نانسي بيلوسي إحالة لائحة الاتهامات إلى مجلس الشيوخ على الفور أو الانتظار لفترة. ومع إتمام هذه الخطوة، على ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ أن يبدأ المحاكمة بعد مراجعة ملف الاتهامات النيابية والاستماع إلى الحجج القانونية لمواجهة المعني.
1 – صوّت مجلس النواب على عزل ترامب بأغلبية 232 مقابل 197، وصوت 10 جمهوريين بنعم.
2 – واجه ترامب تهمةً واحدة «التحريض على العصيان» في قرار العزل.
3 – نصَّ قانون العزل على أن «ترامب عرّض أمن الولايات المتحدة لخطر فادح وسيبقى يشكّل تهديداً».
4 – قال زعيم الأغلبية الجمهورية لمجلس الشيوخ إن أقرب موعد لمناقشة لائحة العزل هو 19 يناير.
5 – من المحتمل أن يجري أي تصويت على إدانة ترامب بعد تركه لمنصبه بالفعل.
6 – إدانته في مجلس الشيوخ – إذا ما تمت بالفعل – تعني تجريده من امتيازات الرئيس السابق.
ولأن المحاكمة لا يمكن أن تنجز في يوم، بل ربما تمتد لأسابيع، فمن الناحية العملية لا يمكن بدؤها إلا بعد تنصيب بايدن. وتحول إدانة ترامب من دون حصوله على بعض مخصصات ما بعد الرئاسة، مثل المعاش التقاعدي وعدم القدرة على الترشح مرة أخرى لمنصب الرئاسة. وهذا نص الدستور فيما يتعلق بالدور المنوط بمجلس الشيوخ فعله خلال إجراءات المحاكمة:
أ – يقسم أعضاء مجلس الشيوخ الجديد اليمين جماعياً أمام رئيس المحكمة العليا في الجلسة الأولى.
ب – يخصص اليوم الثاني لتعيين قواعد المحاكمة، بعد ذلك تعرض الحجج من كلا الجانبين.
ج – يمرر قرار العزل بأغلبية الثلثين (67 صوتاً)، ما يعني حاجة الديموقراطيين لـ17 صوتاً جمهورياً.
ح – لا تتعدى الأحكام حد العزل، ومنع تولي وشغل منصب شرفي.
الحرس الوطني.. العين الساهرة
وفيما شغلت قضية ترامب الرأي العام، تواصل البلاد استعداداتها لتنصيب بايدن في 20 يناير على قدم وساق. الكل يتحضر، وسط تأهب أمني مشدد ومسلح أيضاً، خوفاً من نشر العنف في الحفل الموعود. وعليه انتشر نحو 20 ألف عنصر من الحرس الوطني في واشنطن ومحيط مبنى الكابيتول منذ ليل الثلاثاء.
– يؤدي كل فرد في هذه الوحدة اليمين لحماية الدستور الاتحادي للبلاد ودستور الولاية.
– لكل ولاية وإقليم في الولايات المتحدة حرس وطني، وعندما لا تكون وحدات الحرس تحت السيطرة الفدرالية، يكون الحاكم هو القائد الأعلى للوحدات في ولايته أو إقليمه.
– تتمتع العناصر بحق الدفاع عن أنفسهم، دون أن يمتلكوا سلطة تنفيذ الاعتقالات، إذ يرافقهم أفراد مكلّفون بهذه المهمة.
– يقوم بمجموعة واجبات متنوعة كالاستجابة للكوارث الطبيعية وأوقات الأزمات.
– يدربون على تقنيات التحكم في الحشود واستخدام الدروع والهراوات وكيفية مواجهة أي تصعيد مرتبط بأحداث عنف.
ليلة تاريخية في بلير هاوس
على مدى عقود اعتاد الرؤساء المنتخبون أن يقضوا ليلة التنصيب في بلير هاوس، منزل تاريخي يقع في شارع بنسلفانيا قرب البيت الأبيض. إلى ذلك سيتمتع المنتخب جو بايدن بالإقامة في هذا المقر الرسمي.
ويتبع تقاليد هذا اليوم التي تبدأ بإفطار عائلي يوم التنصيب، تليه مراسم دينية في الكنيسة من ثم اجتماع في البيت الأبيض مع الرئيس الذي تنتهي ولايته يومها. وصباح توليه المنصب رسمياً يوقع على دفتر الضيوف لإقامة حفل استقبال للسفراء والدبلوماسيين في ما بعد، إلا أن هذه الممارسة غير مرجحة هذا العام بسبب جائحة «كورونا».