الفاتيكان يختتم 2020 بأزمة مالية

علي حمدان –
كان مشهد المهد لهذا العام في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان خارجًا عن المألوف، فالمجسمات الميلادية التي نُحتت من الرمال، والتي شابهت ثيمة فضائية لا ميلادية، حاكت العام الغير تقليدي على الإطلاق، الذي شهدته أصغر دول القارة الأوروبية وسائر دول العالم.
كغيرها من البلدان تختتم دولة الفاتيكان عام 2020 بظروف مالية سيئة، ففي حين بلغ الفائض في ميزانياتها ال70 مليون يورو في أعوام سابقة، يأتي هذا العام بفائض من الخسائر.
وتعتمد الفاتيكان على متاحفها كمصدر دخل رئيسي، وبحسب وكالة الأنباء الكاثوليكية تؤمن بطاقات الدخول الى هذه المتاحف ما يفوق 100 مليون يورو سنوياً للخزينة البابوية، إلا أن جائحة كورونا وفرض الإقفال العام على المؤسسات لمدة أشهر، بالإضافة إلى قلة تدفق السواح إلى روما خلال الفترات التي لم تشهد إقفالاً، أدى إلى هبوط حاد في إيرادات المتحاف الدينية، وعليه يختتم البابا فرانسيس العام بعجز قد يتعدى 15 مليون يورو، بحسب ذا إيكونومست.
لن تلجأ دولة الفاتيكان لبيع أصولها أو سياسات الخصخصة، أو لطلب المساعدة من لإتحاد الأوروبي لانتشالها من محنتها، فاحتياطاتها المالية من الأعوام الماضية ستفي بالغرض، على الرغم من قيام إدارة الدولة الصغيرة بإنفاق جزء كبير من هذه الفوائض على مؤسسات تابعة لها، كمحكمة الفاتيكان العليا ومؤسسات إدارية تابعة لمركز الكنيسة الكاثوليكية في العالم.
المساهمات المالية المباشرة من قبل حكومة الفاتيكان وتبرعات المؤمنين حول العالم، لم يحولا دون إختتام محكمة الكنيسة العليا للعام 2019 بأوضاع مالية غير مستقرة، إذ بلغ عجزها 11 مليون يورو.
وزير المالية الفاتيكاني الأب خوان أنطونبو فيريرو ألفيس، رأى بأن خسائر المحكمة العليا أُنفقت على أمور هامة، مشيراً الى أنه توقع بلوغها ضعف ما أفضت إليه.
في حيت تعول محكمة الفاتيكان العليا على توزيع أكثر سخاء لأرباح مصرف الدولة البابوية المركزي، والتي بلغت 38 مليون يورو عام 2019 لتعديل مبزانيتها، قرر برغوليو تخفيض القيم التأجيرية للممتلكات التابعة للكرسي الرسولي، والتي تعتمد عليها المحكمة بشكل كبير.
ناهيك عن خسائر المتاحف والمصرف المركزي وإيجارات ممتلكات الدولة، خسرت الخزينة المقدسة مداخيل بيع مطبوعاتها الدينية، والتي تعد مورداً سخياً للخزينة.
تمويل الكنائس الكاثوليكية حول العالم للفاتيكان انخفض هو الآخر، مع تضاؤل أعداد المصلين في الكنائس حول العالم إثر تفشي الفيروس التاجي، وبالتالي إنخفاض تبرعاتهم.
بالإضافة الى كل ما سبق، فإن النكسة المالية التي يواجهها الفاتيكان، مرتبطة بملفّي التحقيقات الجارية بشراء الكنيسة لعقار تبلغ قيمته 200 مليون يورو في لندن، وتحقيق حول مالية الفاتيكان ستصدره شركة مانيفال الأوروبية المعنية بتعقّب عمليات غسيل الأموال في أبريل المقبل.
التحقيقات في ملف عقار لندن والتي دخلت شهرها الرابع عشر، تصر على شكوكها في ملفات الدولة البابوية المالية المبهمة، والتي غالبًا ما يتم التصرف بمئات الملايين التابعة لها من قبل أقسام مستقلة داخل الدولة، فعقار لندن الذي تدور حوله شبهات فساد، لم يتم شراؤه بقرار بابوي عالي المستوى، بل بقرار فردي من قبل وزير الخارجية الفاتيكاني.
الضبابية في إستراتيجيات إدارة دولة البابا فرنسيس لماليتها، والسرية التي يتسم بها هذا القطاع، يعززان ضرورة القيام بتطوير الإدارة في دولة الكنيسة، والتي لم تخضع لأي عملية إصلاحية منذ 50 عاماً.
تم انتخاب البابا فرنسيس عام 2013 كمرشح جاهر بوعوده بإجراء تغييرات جوهرية، في محكمة الفاتيكان العليا وإدارة الدولة بشكل عام، وتجلت هذه الوعود بإيكال هذه المهمة إلى مجلس خبراء من خارج العباءة البابوية وبيروقراطيتها، ومؤلف من الكفاءات المهنية، وهي خطوة أدت الى معارضة المحكمة العليا لفرنسيس، وعدم دعمه في كثير من قراراته وآرائه الدينية والإصلاحية الإدارية.
بعد حوالي سبعة أعوام على جهود الخبراء، يتم حالياً وضع اللمسات الأخيرة لما يمكن تسميته بدستور جديد للدولة الأصغر في العالم، وقد يكون هذا الإنجاز بمثابة العلامة الفارقة في ولاية برغوليو، وفي نسخة عن هذه الدراسة تم توزيعها في أحد مؤتمرات روما عام 2019، يظهر التحول في سياسات الفاتيكان الداخلية عبر تقليص ما يسمى بالمكتب المقدس داخل الدولة، وقد وصف هذا التوجه بالثوري والغير مألوف، تماماً كمجسمات مشهد المهد التي شهدتها ساحة القديس بطرس في ديسمبر الجاري، والتي تحمل رسالة مفادها بأنه في عهد فرنسيس لا شيئ مألوف ولا شيئ مستحيل.