المغرب العربي

طلاق بين الرئاسة والسلطتين التنفيذية والتشريعية في تونس.. والأزمة بنيوية

الأزمة السياسية الحالية في تونس وليدة الطلاق الحاصل بين الرئاسات الثلاث: رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان.

ظهرت الأزمة بعد طلب راشد الغنوشي رئيس البرلمان من رئيس الحكومة هشام المشيشي، إجراء تعديل حكومي من أجل تحسين جودة السياسات عامة في البلاد.

وأدخلت الخلافات ما بين قصر قرطاج وقصرالقصبة البلاد في حالة من اليأس، مع وصول الأزمة إلى حد تهديد مؤسسات الدولة الشرعية، والإنذار بعواقب وخيمة على الصعيدين التونسي والإقليمي، بحسب ما أوردته وكالة لانوفا الإيطالية.

ويقول الصحفي والكاتب التونسي سفيان بن فرحات بأن كتابه الأخير الصادر باللغة الفرنسية بعنوان «القط والمبضع»، يفند الأزمة الإجتماعية والفكرية التي يمر بها التونسيون اليوم، ويتكلم عن الآمال التي ذهبت مع الريح بعد عشرة أعوام من الحراك الشعبي المتواصل، والسعي من أجل تونس أفضل.

انقلاب المشيشي

بانتظار إعلان رئيس الحكومة هشام المشيشي عن تعديلاته الحكومية، والتي يُتوقع أن تطال حوالي العشرة وزراء، تتفاقم التوترات السياسية في تونس الخضراء، فرئيس الجمهورية قيس سعيد أعرب عن إستيائه من التعديل المنتظر، بالتزامن مع كثرة الكلام حول التوجه نحو إطاحة الوزراء المحسوبين على الرئيس، مما سيؤدي، بحسب لا نوفا، إلى سيطرة حزب النهضة على السلطة التنفيذية في البلاد، ويفضي إلى إجهاض دعوات الحوار والتهدئة التي أطلقها الإتحاد العام التونسي للشغل.

ويقول بن فرحات معلقًا على رئيس الجمهورية الذي سماه، : «الوضع سريالي في تونس، فرئيس الحكومة هشام المشيشي تمت تسميته لتشكيل الحكومة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، كما ينص الدستور»، مشيراً إلى تكرار جولات التراشق الكلامي والخلافات بين الرئاستين منذ العام 2014.

ومن الواضح بأن المشيشي يسعى إلى التعاون مع البرلمان، والاستفادة من نواب حزب النهضة وحزب قلب تونس، وإدارة ظهره لرئيس الجمهورية، فالسياسة فن الممكن وتأمين المصالح، ومصلحة المشيشي مع الكتل النيابية التي تدعم بقائه في السلطة، لا مع رئيس الجمهورية.

الرئيس قيس سعيد شق طريقه السياسي بنفسه، واستطاع تبوء كرسي الحكم واختراق الأحزاب التونسية المتناحرة، على عكس سلفه باجي السبسي، الذي اعتمد على حزب نداء تونس العلماني الوسطي الليبرالي، والذي امتلك كتلة كبيرة في برلمان تونس، من أجل الظفر برئاسة الجمهورية.

ويصف بن فرحات الوضع في بلاده بالقول: «نقف في تونس مرة جديدة أمام أزمة سياسية مفتوحة، لكنها الآن أزمة بنيوية وتهدد الكيان التونسي برمته، الناس لايثقون بالحكومات ولا يأملون بالإصلاح المنشود، بعد عشرة أعوام من النضال الغير مجدي. القدرة الشرائية في تونس تتقلص يوماً بعد يوم، وأزمة تفشي كورونا تتعاظم وتحصد الضحايا، وفي الوقت الذي باشرت فيه دول عربية آخرى مجاورة كالمغرب ومصر، بحملات تلقيح سكانها ما زلنا في تونس عاجزين عن استقدام اللقاحات، كما نعاني من أزمة اقتصادية تعمقت لتطال المؤسسات الشرعية الرئيسية في تونس، ولا مجال للعودة إلى الوراء، فالناس غير راضين بمن يحكمهم وكيفية إدارته للأمور».

الشعب مستاء

في سياق آخر، أشارت دراسة إحصائية أجريت مؤخرا في تونس على عينة من ألف ومائتي مواطن، إلى تراجع شعبية الرؤساء الثلاث، قيس سعيد، راشد الغنوشي، وهشام المشيشي.

98% منهم أكدوا عدم رضاهم عن أداء البرلمان في تونس، و73% امتعضوا من آداء رئيس الجمهورية، فيما أشار 68% منهم إلى عدم  رضاهم عن سياسات رئيس حكومة البلاد.وبحسب «تونيسيا سورفي» فإن 81%من التونسيين ما عادوا يثقون بالغنوشي، و63% منهم غير راضين عن عدم امتلاك قيس سعيد لبرنامج رئاسي واضح، فيما يرى 41%، بأن سياسات رئيس حكومتهم هشام المشيشي سيئة، لا سيما فيما يخص إدارة جائحة كورونا.وفي تعليقه على نتائج الدراسات أعلاه، رأى بن فرحات بأنها تدل على الغبن الذي تعرض له التونسيون، والأثمان الباهظة التي دفعوها منذ العام 2011، عام الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي وحتى الآن.ويضيف: «ثمة حالة من الذهول العام تسيطر على البلاد، فالأزمة لم تعد أزمة حكومة فاسدة وغير فاعلة، كما كان الحال خلال حقبة زين العابدين بن علي، بل أزمة مؤسسات».

حكم الأحزاب لا الدولة

بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تفتك بتونس، تطرق بن فرحات إلى أزمة شرعية النظام والقادة السياسيين المنشغلين بالمناوشات فيما بينهم.وقال: «لا أحد من قادة البلاد يمتلك تصوراً واضحاً للحلول، ولا أحد منهم يمتلك أجوبة على أسئلة الناس، رئيس الجمهورية يتكلم عن مؤامرة تحاك ضده وضد سيادة البلاد، لكنه في الوقت عينه لا يمتلك حزباً فاعلاً، وبالتالي لا يمتلك المبادرة لفرض تغيير ما على المشهد السياسي».وأضاف: «الطبقة السياسية مأزومة، نعيش حقبة حكم الأحزاب لا حكم الدولة، قد ينجح المشيشي الآن بتغيير طفيف في بعض الوزارات، لكن التونسيين يخشون بالدرجة الأولى من تداعيات جائحة كورونا، الوضع في تونس يشابه الوضع في لبنان إلى حد بعيد، نعاني من رؤساء غير فاعلين وأزمة بنيوية في النظام السياسي، ويأس عام على المستوى الشعبي، بعد ثورة امتدت لأعوام فنالت الحرية ربما، لكنها خسرت اقتصادياً واجتماعياً».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى