الشرق الأوسطتقارير

«كورونا» يفتك بلبنان.. والمستشفيات عاجزة

لا أسرّة متوافرة.. ونقص بأجهزة الأكسجين.. ومخيمات الفلسطينيين بيئة خصبة

بيروت ـ أنديرا مطر

لا الشأن الحكومي، ولا الهم الاقتصادي، هما ما يشغلان بال اللبنانيين هذه الأيام، وانما الوصول الى اللقاح والنجاة من الوباء القاتل. وفي الظلمة المطبقة لمعت بارقة ضوء أخيرا مع بدء العد العكسي لاستقبال لقاح كورونا في منتصف فبراير.
كل المشاهد والاخبار المتعلقة بكورونا تثير الرعب. عداد الاصابات يسجل أرقاماً قياسياً جديداً كل يوم، وفي اليوم الثاني من الاقفال تخطّى عدد الوفيات الـ40 والمصابين الـ6 آلاف.
المصابون ينتظرون امام مداخل المستشفيات او في أقسام الطوارئ بانتظار سرير شاغر، ورفوف الصيدليات خلت تقريبا من أدوية كورونا. أما مواقع التواصل اللبناني فقد باتت عبارة عن ورقة نعي يقتصر فيها الكلام على التعزية او الدعاء بالشفاء.
وفي ظل توقعات بأن تكون الأرقام في الأيام المقبلة قريبة إلى رقم الـ6 آلاف، وهو ما ينذر بالأسوأ مجتمعيا واستشفائيا، فقد بدأ الحديث عن توجّه نحو تمديد مهلة الاقفال التام لمساعدة الجسم الطبي على التقاط أنفاسه، ولمساعدة اللبنانيين كلّهم على الصمود الى حين وصول اللقاحات الى بيروت.
وواصلت المستشفيات في جميع أنحاء البلاد الكفاح بكفاءة. ولكن الأسرّة قد نفدت حتّى في قسم الطوارئ، وبدأ المشهد المأساوي مع تقديم العلاج لعدد من المرضى في باحة المستشفى أو في السيارات.
مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت حثّ اللبنانيين على الالتزام بأقصى الإجراءات الاحترازيّة، مؤكدا أنّ العاملين في مجال الرعاية الصحية يعانون من إرهاق والقسم الخاص بكورونا وصل إلى أقصى طاقاته، وكذلك قسم الطوارئ.
ومع امتلاء المستشفيات وندرة أجهزة الأكسجين، لجأ المرضى إلى إنشاء مستشفيات مؤقّتة في منازلهم.
الدكتور فراس أبيض، مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي قال «سيكون الأمر خطيرا للغاية إذا نفدت الإمدادات الطبية في المستشفيات، من المهم أن يتلقى الموزّعون الدعم الموعود».

صورة تلخص انتشار الوباء

اثارت صورة وزير الصحة حمد حسن المصاب بـ«كورنا»، وهو يوقع اوراقا من داخل احد المستشفيات تعليقات كثيرة، منها من أثنى على جهوده، ومنها متهكمة ومستغربة عدم اتخاذ الوزير للإجراءات الوقائية المطلوبة.
ونشرت الطبيبة لارا بكداش تعليقا على صفحتها في الفيسبوك اعتبرت فيه انها كطبيبة تعنى بالتخطيط الوقائي للاوبئة كـ«كورونا»، «اراعتها هذه الصورة». وأضافت «هذه الصورة تلخص مشاكل لبنان: الاستغلال السياسي، والاستهتار بالصحة العامة وبالآخرين، خاصة بالاطقم الطبية، والاستعراض الدعائي الفارغ، والكذب على الناس».
وتابعت: يبدو الوزير بصحة جيدة ولا يحتاج ان يشغل سرير مستشفى ويأخذه من طريق مريض محتاج للعلاج، في حين المستشفى نفسه أعلن نفاد الأسرة. وهنا الاستغلال السياسي.
ثانيا، هذه الصورة الثانية للوزير من دون كمامة، وهناك أشخاص آخرون في الغرفة، منهم من يأخذ الصورة، ومنهم من يدخل باستمرار كالمنظفين والممرضين والمساعدين والأطباء. كل المرضى الا من هم على أجهزة التنفس الاصطناعية، عليهم لبس الكمامة في المستشفى للتخفيف من معدلات الفيروس في الهواء… وهنا الاستهتار
ثالثا، هذا الاستهتار هو تكملة للاستهتار العلني لتدابير الوقاية التي اظهرها الوزير المذكور، من حفلات الاعراس إلى حفلات الغذاء، آخرها كان قبل أيام من إصابته.
رابعا، هذه الأوراق على الأرجح تلوثت بالفيروس، وهي ان كانت للاستعراض فقط، فهناك من سيحملها ويأخذ الفيروس لنفسه ثم ينشر الفيروسات حيث يأخذها.
وختمت الطبيبة «هذه الصورة تلخص وتشرح انتشار (كورونا) بهذا الشكل في لبنان».

مخيمات الفلسطينيين بؤرة خصبة

كارثة أخرى يقبل عليها هذا البلد الجريح في أزماته، وهو الخطر الداهم والمخيف لسيناريو انتشار الوباء داخل المخيّمات الفلسطينية.
فأمام مقهى شعبي في مخيم شاتيلا جلس الشاب الفلسطيني تيسير يشرب الشاي ويدخن نرجيلة بصحبة 4 من رفاقه في أول أيام الاقفال العام في لبنان. وحين سألنا عن عدم ارتدائه الكمامة اجاب ساخرا «الفلسطيني مناعته قوية وليس بحاجة لكمامة».
الحركة في الشارع الضيق تبدو عادية رغم الاقفال العام المتشدد. الزحام أخف، ولكن قلة من العابرين في الأحياء والأزقة التزمت وضع كمامة.
«الكورونا منتشرة في كل مكان» تقول صباح صاحبة محل خضار، اضطرت الى فتح محلها كونها المعيل الوحيد لعائلتها، «ليس لدينا ما نخسره. كورونا أخف مما ابتلينا به».
وفي مقارنة، مثلا بين صيدا ومخيم عين الحلوة، فإن نسبة الالتزام في صيدا بلغت %90، أما في المخيم فالوضع مختلف.
«لا قوة رسمية تفرض المنع، وإنما هناك شعور بخطورة الوباء»؛ فالدولة غير موجودة داخل المخيم الذي تتولى إدارته اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية. الأسواق والتجمّعات الكبيرة إما مقفلة، وإما أن الحركة دون مستواها العادي.
وتشكّل المخيمات الفلسطينية في لبنان، مثلها مثل سائر المناطق المهمّشة والفقيرة، البيئة المناسبة لتفشّي وباء «كورونا»، من حيث: اكتظاظ سكاني، وفقر مدقع، وضعف الإمكانات الطبية، إضافة الى نقص النظافة والتلوث.
وفق إحصاءات «الأونروا» فقد بلغ عدد الإصابات التراكمية منذ بدء تفشّي الوباء بين اللاجئين الفلسطينين داخل المخيمات وخارجها، 4187 حالة و146 حالة وفاة.
المتحدثة باسم «الأونروا» في لبنان، هدى السمرة، أوضحت لــ القبس ان الوضع داخل المخيمات شبيه الى حد كبير بالمناطق المكتظة والشعبية خارجها. وإنما مع تفاقم إضافي ناتج عن تردي الأوضاع الاقتصادية من جهة، وعن الاكتظاظ بسبب الكثافة السكانية المرتفعة جدا من جهة أخرى؛ ما يجعل تحقيق التباعد الاجتماعي للحد من انتشار الفيروس أمراً مستحيلاً.
أحد العاملين في اللجان الشعبية، يقول: «الخطر داهم ومخيف، وسيناريو انتشار الوباء كارثيّ».
ففي مخيم عين الحلوة يعيش 90 ألف نسمة في كيلومتر مربع واحد. أضف الى ذلك نقطة مهمة جدا، وهي ان أبناء المخيمات، كما في مناطق لبنانية اخرى، لا يزالون غير مدركين مدى خطورة الجائحة، ومقتنعون بأن الامر مجرد إنفلونزا.

ما الذي تقدمه «الأونروا»؟

تشدد مسؤولة المنظمة الأممية على حملات التوعية المكثفة، سواء عبر بيانات، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بالتعاون مع اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية ولجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني، «ولكن لا نزال نلمس غياب جدية في التعاطي مع خطورة الفيروس».
القدرة المالية ليست عائقا أمام إجراءات الوقاية بقدر تعاطي اللاجئين مع هذه الجائحة. فالكمام متوافر وغير مكلف، ويمكن لكل الناس الوصول إليه. ومع ذلك، نادراً ما نجد أحداً يلبس الكمام في الأسواق الشعبية، وفي المقاهي.
لا تخفي السمرة قلقها من استفحال الوباء، خصوصاً أن قدرة المستفيات وصلت إلى طاقتها القصوى، «تغطي الوكالة جميع تكاليف المستشفى المتعلقة بـ «كورونا» بنسبة %100. ولدينا اتفاقيات مع الكثير من المستشفيات الخاصة والحكومية على كل الأراضي اللبنانية، ولكن ما نفع كل ذلك اذا لم يتأمن سرير شاغر للمصاب؟!».
أما بخصوص اللقاح المنتظر، فإن اللاجئين يشكّكون في إمكان حصولهم عليه، أسوة باللبنانيين، لكن السمرة تؤكد أن الفلسطينيين سيُعامَلون كما اللبنانيين في تلقّي الدفعة الأولى، بالتنسيق بين وزارة الصحة و«الأونروا» ومنظمة الصحة العالمية، و«اليونيسيف».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى