الإنهيار في لبنان «أبوكاليبسي».. والقيادات مترهلة

علي حمدان –
الفريق الخاسر يبدَّد الوقت الاضافي بعد انتهاء المبارات على الترهات؛ لعلَّه التوصيف الأدق لأداء الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان خلال الأزمة المفتوحة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام، والتي تهدد كياننا، يقول موفق حرب، الصحفي والمحلل السياسي اللبناني.
بالرغم من التحديات الاقتصادية الغير مسبوقة ولا سيما بعيد تفشي الفيروس التاجي بداية العام، ما زال الأخطبوط الحاكم في لبنان يتعامل مع عملية تشكيل الحكومة بذهنيته التقليدية، منتظراً ما ستؤول اليه الأمور دولياً وارتدادات ذلك على اللعبة السياسية محلياً.
فإقبال حزب الله وحلفائه في قصر الرئاسة وخارجه على التفاوض إبان قيام الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات على حلفائه والمرونة التي أبداها حينها آخذة بالتضاؤل منذ إعلان فوز جو بايدن في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، تعويل فالحزب يعول على مواقف الأخير الأقل حدية تجاه إيران.
وحسب ما ورد في مقالة حرب في صحيفة الدايلي ستار اللبنانية، فإن الأمور في بيروت تبدو كالآتي:حزب الله وفريقه السياسي يرون انهم نجحوا في تخطي أربعة أعوام عصيبة من ولاية ترامب ولا يفصلهم عن الإنفراج سوى أشهر قليلة بعيد تولي إدارة بايدن للحكم في واشنطن. سواء كانت هذه المقاربة منطقية أم لا، ثمَّة حقيقة واحدة لا يمكن لأي عاقل إنكارها: لبنان يداني إنهياراً إقتصادياً شاملاً لم يشهد له مثيلاً قَط وتبعات كارثية على شتى الصعد.
تاريخ زاخر
لست أذيع سراً إن قلت أن تاريخ لبنان يزخر بالأزمات السياسية المتكررة وموجات الإحتراب الداخلي والعنف، إلَّا أن انهيار العملة الحالي، وصعوبة استقطاب المصرف المركزي للعملة الصعبة بالتزامن مع تقلص موجوداته منها وتلويحه بقرب رفع الدعم عن منتوجات أساسية كالطحين والدواء وغيرها سوف تؤدي الى أزمة إجتماعية منقطعة النظير، برأي حرب. والشحن المذهبي المصحوب بتدهور أبوكاليبسي على الصعيد الإجتماعي يشكلان معاً وصفة مثالية لنهاية كارثية قد تفضي الى تفكك ما تبقّى من دولة وتطيح بالحد الأدنى من الوحدة الوطنية التي تتمتع بها البلاد حتى الآن.
الطبقة السياسية اللبنانية تقامر بمستقبل البلاد، ومقولة مارك تواين لا تنطلي على لبنان، إذ إن التاريخ هنا يعيد نفسه، فاللبنانيون مبدعون في صناعة الأزمات وفشلى في تقديم الحلول لها، وتاريخ هذا البلاد الصغير الحافل بالأزمات الكبيرة وحلولها المستوردة من الخارج خير دليل على ذلك، ومن أبرز أسباب هذه السمة الطاغية على السياسة اللبنانية هي الطائفية السياسية التي يصعب بموجبها تقديم التنازلات والمساومة من أجل اجتراح الحلول من قبل ملوك الطوائف خوفاً من انعكاسها سلباً على قواعدهم الشعبية التي قد ترى فيها إنكساراً أمام الأخصام، لكن ما قبل السابع عشرة من تشرين ٢٠١٩ ليس كما بعده، فالحراك الشعبي تمكن من زعزعة النظام السياسي في لبنان، ونتائج إنتخابات جامعات بيروت الأكثر عراقة مؤخراً أظهرت تقدماً ملحوظاً للفئات العلمانية والمستقلة على الأحزاب الكلاسيكية، وعكست مزاجاً سياسياً صاعداً غير تقليدي في البلاد مما جعل الأمور أكثر تعقيداً أمام زعماء الطوائف الممسكين بزمام السلطة منذ الطائف.
خلخلة النظام
وحدها التظاهرات الشعبية الناجمة عن الأزمات الإقتصادية قادرة على تهديد النظام السياسي القائم في لبنان وخلخلة قبضته لأنها غالباً ما تكون عابرة للطوائف والمناطق والإنقسامات السياسية العقيمة، يقول حرب. في حين ترى دوائر صنع القرار في كل من واشنطن وعواصم خليجية أن أي مساعدات مالية وإقتصادية للبنان الآن من شأنها مؤازرة حزب الله المدعوم من إيران وتمكينه من تعزيز سيطرته على البلاد، والرأي لحرب دائماً، ويخلص هؤلاء الى أن خنق بيروت إقتصادياً من شأنه شق الطريق أمام موجة شعبية مناوئة للحزب تجبره على التخلي عن سلاحه أو جره الى دمج ترسانته في القوات المسلحة اللبنانية الشرعية أقله.
في ظل تكاثر الأصوات المعارضة للحزب سواء في داخل بيئته الحاضنة أو خارجها، لم يؤدي التدهور الإقتصادي الحاصل، وخلافاً لما كان متوقعاً، الى نقمة شعبية جامحة ولا لإثارة مسألة سلاح الحزب الغير شرعي وتواجده العسكري في سوريا، وفي هذا السياق، فقد صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إحدى زياراته لبيروت مؤخراً عن عدم نية بلاده مقاربة ملف السلاح راهناً.
رغم تلبد الأفق السياسي في البلاد، تبقى المبادرة السياسية الفرنسية وخارطة الطريق الإنقاذية التي تطرحها بارقة الأمل الأخيرة للخروج من نفق الإنهيار. فمؤتمر سيدر المدعوم من قبل الإتحاد الأوروبي ما زال مطروحاً، لكنه مجمداً نوعاً ما بآنتظار تبلور سياسات البيت الأبيض الخارجية الجديدة في الأشهر القليلة المقبلة.
مصير سيدر رهن المؤشرات الإيجابية التي قد تصدر عن واشنطن في الفترة القادمة، سواء من خلال فرنسا أوغيرها من الحلفاء، فإعادة الزخم الى مبادرة ماكرون مستقبلاً، في حال حصوله، قد يشكل دلالة على رغبة الإدارة الأميركية الجديدة بحلحلة أزمات المنطقة.