«القرض الحسن» مصرف حزب الله المركزي

على أنقاض الدولة اللبنانية المتهالكة، يكمل «حزب الله» انشاء دولته الموازية، فإلى جانب الميليشيا العسكرية، أقام الحزب لجمهوره مؤسسات استشفائية، وتعليمية، وكذلك مؤسسة مالية خارجة عن القوانين المصرفية، تسمح له بالالتفاف على العقوبات الأميركية، في ظل غياب شبه كامل للسلطات اللبنانية.
وفي خضم الازمة الاقتصادية غير المسبوقة، طور حزب الله اقتصاده الموازي لدعم «بيئة المقاومة» وتطبيقا لشعار «لن نجوع»، من خلال جمعية «القرض الحسن» الخارجة عن النظام المصرفي اللبناني والمدرجة على لوائح العقوبات الأميركية منذ 2016.
جمعية القرض الحسن، التي تعتبر مصرف «حزب الله» في لبنان ومصدراً رئيسياً من مصادر تمويله، هي جمعية تأسست لدعم ما يسمى «بيئة المقاومة»، وتم ترخيصها من قبل وزارة الداخلية في 1987، وأصبح لديها 31 فرعاً تنتشر في مناطق سيطرة حزب الله، وتحديداً في بعض بلدات البقاع، الجنوب، والضاحية الجنوبية لبيروت، وهي تمنح قروضاً مالياً بالدولار مقابل رهن الذهب، أو ووضع مبالغ مماثلة لها بالقيمة.
وفي الوقت الذي يعاني معظم اللبنانيين جراء ازمة شح الدولار، وحجز المصارف لاموالهم وإيقافها التحويلات والقروض، ظلت مؤسسة القرض الحسن تعمل بانتظام، حتى انها استحدثت صرافات آلية في بئر العبد والرويس في ضاحية بيروت الجنوبية، تمكن عملاءها من سحب أموالهم بالليرة وحتى بالدولار.
تنافس القرض الحسن اليوم أكبر المصارف، رغم ان عملياتها تختلف عن النظام المصرفي في لبنان، بدءاً من العلاقة التعاقدية، وصولاً إلى أنّ غالبية المتعاملين معها هم من جمهور حزب الله، وفق الصحافية الاقتصادية محاسن مرسل.
فمن اين تأتي الأموال إلى هذه الجمعية؟
مصادر مقربة من حزب الله تقول ان مصادر التمويل هي من جهات ميسورة ومقتدرة. ومن أموالهم تمنح الجمعية قروضا بالليرة أو بالدولار لمحتاجيها على الا تتجاوز 5 الاف دولار للشخص، ومعظم القروض تتم مقابل رهن ذهب تكون قيمته أعلى من قيمة القرض.
وفق المصادر نفسها، تضم هذه الجمعية اكثر من 400 الف مساهم لغاية اليوم، وهي منحت اكثر من مليون ونصف المليون قرض توازي قيمتها الـ 3 مليارات دولار تقريبا، رغم انها معاقبة اميركياً.
من المؤكد ان الجمعية لا تخضع لقوانين المصرف المركزي وليست مسجلة لديه، وبالتالي لا يحق لها استحداث صراف آلي وفق مصادر قانونية، تؤكد وجوب استحصال جميع المؤسسات المالية الخاصة على ترخيص من قبل السلطة النقدية. علما أن المصرف المركزي كان يعد دائما بمعالجة هذا الملف مع الجهات المختصة، ولكن هناك دائما محاذير من الاقتراب من أي ملف يخص حزب الله.
مصرف مركزي موازٍ
في الأشهر الأخيرة ومع ارتفاع سعر صرف الدولار، برز سجال بين المؤسسة وزبائنها، بفعل مطالبتها المقترضين تسديد قروضهم بالدولار بحسب سعر الصرف في السوق وليس وفق تسعيرة مصرف لبنان لكون المؤسسة مجبرة على إعادة أموال المساهمين بالدولار.
قرصنة وكشف حسابات
وأمس استُهدفت هذه الجمعية من قبل مجموعة من القراصنة الإلكترونيين، أقدموا على اختراق حسابات كل فروعها.
المجموعة التي أطلقت على نفسها اسم Spiderz نشرت لوائح بأسماء المقترضين والمودعين في كل فرع للجمعية، إضافة إلى كل التفاصيل المتعلقة بقيمة القروض ونسبة السداد ومعلومات شخصية عن المقترضين وميزانية الأفرع والمؤسسة للعامين 2019 و2020.
وقد كشفت عملية القرصنة عن حسابات مؤسسة القرض الحسن في «جمّال ترست بنك»، الذي كان قد خضع إلى العقوبات الأميركية في عام 2019 بتهمة تقديم خدمات مالية لحزب الله.
وأرفق القراصنة ما نشروه بفيديو أعلنوا من خلاله عن عمليتهم التي حصلوا فيها على كل المعلومات المتعلقة بالجمعية وحساباتها السرية، وأعلنوا عن وضعها بتصرف جميع الناس، واعدين بالكشف عن المزيد من المعلومات في المرحلة المقبلة. كما وجهوا دعوة لكل المقترضين والمودعين الذين يتعاملون مع القرض الحسن، لعدم الدفع وسحب أموالهم ومقاطعة اقتصاد «حزب الله» الموازي.
وأثارت قرصنة «القرض الحسن» إرباكاً كبيراً في الشارع اللبناني، كون القراصنة نشروا صور الزبائن في الفروع، كما نشروا أسماء الدائنين والمودعين، ومن بينهم لائحة بكبار المودعين.
وحاولت المؤسسة التقليل من أهمية الحدث، مطمئنة إلى أن «الخرق محدود ولا خطورة على حسابات المودعين والمقترضين على حد سواء وأن لا إمكانية للتصرف بها أو تحريكها لأنها موجودة على شبكات داخلية مقفلة ولا يمكن الوصول إليها فيما الخرق الحاصل محدود جداً للشبكة الخارجية».
هجوم على جنبلاط
إثر حصول عملية القرصنة، شن جمهور حزب الله هجوماً على رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على خلفية انتقاده المؤسسة التابعة لـ«حزب الله»، متهمين إياه بـ«التحريض» على مؤسسة «القرض الحسن». واعتبر منشد الحزب علي بركات، أن الولايات المتحدة وضعت عقوبات على «القرض الحسن»، بينما يهاجم جنبلاط القرض الحسن يومياً على خلفية الـصراف الآلي، فيما ينشر هاكر كل التفاصيل في المؤسسة.. وأضاف: «إذا بقيت هناك مؤسسة واحدة تحفظ حقوق الناس، تهاجمونها، هل تريدون أن تسرق القرض الحسن أموال الناس مثلما فعلت البنوك؟».
وكان جنبلاط قال، مطلع الشهر الحالي، إن «المنتصر الأكبر والعامل الأقوى هو حزب الله، فهو ينتظر ويقوم في الوقت ذاته بترتيباته على الأرض، حيث أصبح لمؤسسة القرض الحسن التابعة للحزب ATM تعطي المشتركين فيها مبلغ 5 آلاف دولار مقابل رهن الذهب في الوقت الذي يعاني فيه المواطن اللبناني مع المصارف».