هل فقد الأميركيون الثقة بنظامهم السياسي؟

علي حمدان –
تعرضت الولايات المتحدة مؤخراً لأعمال شغب وتمرد لم تشهد لها مثيلاً منذ عقود، مما فاجأ الأميركيين الذين ظنوا مخطئين بأن تهديد أمنهم القومي لا يأتي إلا من الخارج.
لم تقم أي قوة خارجية بمهاجمة واشنطن، لكن أعداد قليلة من الأميركيين أنفسهم قاموا بذلك، وسقط بعضهم بين قتيل وجريح.
خطر وجودي
أعمال التمرد إياها مست بالجوهر الأميركي، أي ديمقراطيتها، التي تم العبث بها بشكل يثير الريبة، وعليه، يجدر بقيادة البلاد التيقظ في المرحلة الحالية إلى حقيقة الوضع في أميركا، فالتعثر المؤسساتي الداخلي، لا العدائية الخارجية، هي المسبب الرئيسي للأزمة والخطر الوجودي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة.
الأمر يستحق التأمل، وعلى القوات المسلحة الأميركية وأجهزة إستخباراتها ومؤسساتها الديبلوماسية، الانشغال بإعادة تعريف مفهومي الدولة والأمن، من أجل إعادة صياغة سياسات تحمي الأمن القومي الأميركي قبل فوات الأوان، بحسب مقالة نشرته مركز كارنيغي.
خاضت الولايات المتحدة الأميركية صراعات عدة منذ العام 1945، مما أسفر عن سياسات و استراتيجيات أمن قومي مختلفة، بدءاً من حقبة الحرب الباردة مروراً بتسيّد الولايات المتحدة الأميركية عالمياً، وصولاً إلى الحرب على الإرهاب الدائرة منذ سنوات، وصراع الأقطاب الجاري بين الأخيرة وروسيا والصين.
لطالما قام الأميركيون بإنفاق أموال طائلة، وإهدار طاقات بشرية وسياسية على إدارة العالم خارج حدودها، طمعاً بالمزيد من السيطرة والنفوذ الاستراتيجي على حساب حريات و ازدهار البلاد الداخلي.
تدهور الأوضاع
المعادلة الأميركية المذكورة نجحت لعقود في تحقيق مصالح الولايات المتحدة العليا، فانتصارها على الاتحاد السوفيتي أدى إلى تدمير خصم شرس للديمقراطية و فكرة الدولة الليبرالية، لكن أزمات ما بعد11 سيبتمبر أزهقت أرواح الكثير من الأميركيين، وبددت أموالهم في حين لا تزال دول كالصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وغيرها من الأعداء، في موقع المناور وتشكل مصدر قلق وأزمات أكثر من ذي قبل.
بالتزامن مع تدهور الأوضاع وعلى أكثر من صعيد، فقد الشعب الأميركي الثقة بحكوماته وبالعملية الديمقراطية تحديداً، بعدما فشلت في التوصل إلى حلول لمشاكل وأزمات الشعب الأميركي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، الحلم الأميركي آخذٌ بالتبدد يوما بعد يوم، مع ارتفاع تكلفة المسكن والرعاية الصحية وغيرها، بالإضافة إلى تزايد العنصرية على المستوى الشعبي، الأمر الذي أرخى بظلاله على اقتصاد البلاد، ودفع بالمزيد من الأميركيين إلى عدم الرضا عن نظام الحكم.
مظلومية الشعب الأميركي اجتماعيًا واقتصاديًا، كانت الدافع الرئيسي لما حصل في واشنطن من أعمال تمرد، لا الصين ولا غيرها، والنظام الأميركي المتصدع دفع إلى صعود حركة مناوئة له بقيادة الرئيس دونالد ترامب.
إعادة النظر بالسياسات
قادة البلاد السياسيين والاقتصاديين والديبلوماسيين، مسؤولون بشكل رئيسي عن مآل الأمور في أميركا، لكن قوات البلاد المسلحة ووكالات استخباراتها تحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية كذلك، ويجدر بهؤلاء إعادة النظر بسياسات الأمن القومي والاعتراف بأن الكثير مما تنفقه اميركا في الخارج غير مجدٍ.
الانكباب على الإصلاح من الداخل أولوية، فالصين قادرة على مقارعة أميركا للسيطرة عالمياً لعقود، لكن الأخيرة لن تصمد أمام بكين لأكثر من دورتين إنتخابيتين، فالديمقراطية تنفق كل عام على البنى التحتية والخدمات الاجتماعية ميزانيات مجهرية مقارنة بما تنفقه على قدراتها الدفاعية.
في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الشعار«أميركا أولاً» الذي أطلقه ترامب، رغم كارثيته، عكس وعياً من قبل فريقه للبّ المشكلة، ووعود الرئيس المنتخب جو بايدن بسياسات خارجية تخدم الطبقة الوسطى في أميركا، تلمح إلى انتهاجه استراتيجيات أمن قومي تدعم الجبهة الداخلية.