الشرق الأوسطتقارير

إيران تعاني.. وواشنطن لا تستعجل التسوية

انحسار نفوذها في المنطقة.. قد يبدأ من «قلعة سوريا»

خالد جان سيز
على الرغم من الاعتقاد السائد بشكل كبير بأن إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ستعمل على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران، باعتباره أولويَّة في توجهاتها في المنطقة، لكن ما من مؤشرات على أن واشنطن في عجلة من أمرها في هذا الإطار، أو أنها لن تفرض شروطاً صعبة، أو أن لديها مصلحة في حماية الوجود الإيراني في المنطقة.
ومع رحيل دونالد ترامب وتنصيب بايدن، تلقّفت إيران الفرصة لنسج خيوط محادثات مع الأخير، للخلاص من المعاناة التي أوصلها إليها ترامب، فهي تعاني انهياراً اقتصادياً وعوزاً مالياً وجائحة «كورونا»، وتريد أي فرصة لرفع العقوبات.
ترامب الذي يغادر غداً البيت الأبيض، نفّذ خلال سنوات حكمه الأربع إجراءات هي الأشد إيلاماً لإيران، من انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، مروراً باغتيال قاسم سليماني، إلى فرض عقوبات قطعت الشرايين المالية.
من باب تصدير أزماتها إلى الخارج وبعث «رسائل القوة» إلى إدارة بايدن قبل التفاوض، انهمكت إيران منذ أسبوعين في المناورات، واليوم تجري «اقتدار 99» البرية، على امتداد شواطئ مكران، عند بحر عمان، بإشراف القائد العام للجيش عبدالرحيم موسوي.
وقال قائد القوات البرية العميد كيومرث حيدري إن «هذه المناورات هجومية، ولها أهداف محددة، وتجري القوات البرية للمرة الأولى هذا النوع من المناورات»، مشيراً إلى أنها تأتي «بعد تغييرات شاملة في هيكلية وحدات القوات البرية للجيش الإيراني حسب تعليمات قائد الثورة الإسلامية» المرشد علي خامنئي.
وخلال الأسبوعين الأخيرين، نفّذت القوات المسلحة الإيرانية مناورات متعددة، على وقع ارتفاع منسوب التوتر مع واشنطن، ووسط هذه الأجواء المشحونة، أنهت قاذفتان أميركيتان من طراز «بي – 52» دورية في الشرق الأوسط، للمرة الثانية خلال شهر، ليحذّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من استمرار طلعاتها في المنطقة، مؤكداً أن بلاده لم ولن تبدأ الحرب

الحال في سوريا
حال ميليشيات إيران في المنطقة لا يقلّ سوءاً عن حال إيران في الداخل، في سوريا، التي تمثّل قاعدة متقدّمة مهمة لإيران، هناك قانون قيصر، الذي حرم النظام السوري وميليشيات إيران من الأموال، وهناك مقاتلات الكيان الصهيوني التي لا تنفك تستهدف مواقع ميليشيات إيران وأسلحتها وكذلك مواقع جيش النظام، وكان آخر الغارات هو الأعنف، الأسبوع الماضي.
يضاف إلى ذلك عبء جديد لإيران في سوريا، فموسكو لم تحرّك ساكناً عسكرياً أو دبلوماسياً تجاه غارات مقاتلات دولة الاحتلال المتوالية على أهداف إيرانية، وهذا ما قرأ فيه مراقبون دعماً روسياً لمسعى إخراج إيران من سوريا.

وأمس، وفي ما يشي بغضّ روسيا النظر عن الغارات التي تستهدف ميليشيات إيران في سوريا، قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف إن بلاده لن تخوض اشتباكات مع الولايات المتحدة في سوريا، لكنها تطالبها بعدم استخدام القوة «ضد المواقع التابعة للسلطات السورية». وتابع: «لا يمكننا طردهم (الجنود الأميركيون) من هناك، نحن لن ننخرط بأي اشتباكات مسلحة معهم بالطبع، ولكن نظراً لوجودهم هناك، فإننا نجري حواراً معهم حول ما يسمى بعدم التضارب. من بين الأمور الأخرى، نطالب بشدة بعدم جواز استخدام القوة ضد مواقع الدولة السورية».

الأسد والتنازلات
وفي وقت سابق، أفاد موقع «مركز جسور للدراسات» السوري بأن اجتماعاً عُقد الشهر الماضي بين مسؤولين سوريين وآخرين من دولة الاحتلال، برعاية روسية، في قاعدة حميميم في اللاذقية، تضمّن بحث مطالبة الكيان الصهيوني بـ«إخراج ميليشيات طهران من سوريا» ولم ينتهِ باتفاقات محددة، لكنه – وفق محللين – يُمثّل بداية مسار لإخراج إيران من سوريا وتعويم النظام السوري مجدداً، تدفع روسيا باتجاهه، ويتوقع أن يشهد توسعاً كبيراً العام الحالي.
وفي هذا السياق، رأت وكالة «المركزية» اللبنانية أن ثمة توجّهاً لدى النظام السوري للبحث عن صيغة ما تتيح له العودة إلى الحضن العربي وإلى الساحة الدولية. ونقلت عن مصادرها أن «الأسد يبدو جاهزاً لتنازلات ولمساومات، تصل إلى حد بيع مَن ساعدوه على الصمود، في مقابل إعادة المشروعية الدولية إلى نظامه المعزول».
وترى موسكو أن بناء علاقة مباشرة بين نظام الأسد ودولة الاحتلال يمكن أن يُمثّل طوقَ النجاة للنظام، وبالتالي لمسعاها في الحصول على الاعتماد الدولي لمشروعها للحل السياسي في سوريا.

هجمات إضافية

وإضافة إلى غارات الكيان الصهيوني، تتعرض قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران دائماً لهجمات بعبوات ناسفة وأسلحة خفيفة ومتوسطة، فقد استهدف مجهولون، أمس، حاجزاً عسكرياً لقوات النظام في بلدة رويحينة بريف محافظة القنيطرة جنوبي سوريا، ما أسفر عن مقتل 6 من قوات النظام.
كما انفجرت عبوة ناسفة بسيارة تابعة لـ«فوج الجولان» المقرب من «حزب الله» في قرية القصيبة القريبة من الجولان السوري المحتل، ما أوقع قتيلين بينهم ضابط برتبة نقيب، وثلاثة جرحى.
ويبدو أنَّ عام 2021 سيكون ممتلئاً بالمستجدَّات في ما يتعلَّق بالصراع الروسي – الإيراني داخل سوريا من جهة، وسعي روسيا والنظام لبناء جسور الثقة مع دولة الاحتلال من جهة أخرى، وهي مستجدَّات ستتأثر بشكل مباشر بالطريقة التي ستتعاطى بها إدارة بايدن مع طهران ومع مشروعها الإقليمي، خصوصاً في سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى