تقارير

البندورة المجفّفة… الكنز الدفين للفلاحين المصريّين

جان ماري توما-

إنّ زراعة الطماطم في مصر محفوفة بالمخاطر، فالمزارعون المصريّون يقلقون سنويًّا من مواجهة هدر كميّة كبير من المحصول.
لذلك، وجد مزارعو الطماطم مثل أحمد ثابت طريقة لتعويض الخسائر السابقة والتأكّد من عدم تكرار حدوثها في المستقبل. عندما يحين موعد الحصاد، يأخذ ثابت الطماطم التي زرعها في مزرعته في مدينة الأقصر القديمة إلى حقل قريب، حيث يمكن أن تُجَفّ تحت أشعة الشمس.
هناك، ترقد الطماطم لمدة أسبوع أو أسبوعين قبل أن تجف عبر درجة حرارة كافية لتعبئتها وتصديرها إلى الأسواق الخارجية، حيث يتزايد الطلب على الصنف المجفف، وفقًا لمسؤولين مصريين.

شرح ثابت لموقع «Middle east eye» أنّ «تجفيف المحاصيل وبيعها للتصدير مربح جدًا للمزارعين… لا داعي للقلق بشأن بيع المنتج في السوق المحلي».

ما سبب المحصول الإضافي في السنوات الماضية؟
تُعَدّ مصر واحدة من أكبر منتجي الطماطم في العالم، وتحتل المرتبة الخامسة عالميًا، لكنها تصدّر أقل من 1٪ من محصولها سنويًا. حتى غالبية ما تبقى في مصر لا يجد طريقه إلى موائد العشاء، حيث يُهدر حوالي 50% مما يزرع سنويًا، وفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

يقول المزارعون إن المحصول الزائد، ناتج عن تخالط بين التخطيط الزراعي المفرط في الطموح والافتقار إلى البنية التحتية لمعالجة ما يتم إنتاجه.
صرّح رئيس اتحاد المزارعين، سيد خليفة، لموقع «Middle east eye»: «يركّز المخطّطون الزراعيّون على توسيع المساحة المزروعة بالخضروات لفترة طويلة… وقد أدى ذلك إلى زيادة الإنتاج الكلي، بما في ذلك الطماطم».
عادةً، الطماطم غير المباعة للأكل، يتمّ استخدامها لإنتاج منتجات مشتقة، مثل الطماطم المهروسة، والتي يمكن بعد ذلك معالجتها إلى منتجات غذائية أخرى.
ولكن، يعاني المزارعون المصريون من نقص في البنية التحتية التي من المفترض أن تساعدهم على تطبيق الخطة على النطاق المطلوب لتجنّب المخلّفات.
إن الافتقار إلى الخيارات قبل تعفّن المنتج يعني أن المزارعين غالبًا ما يضطرون إلى بيع المنتج بسعر أقل من سعر السوق.

طلب تجاري جديد يعطي الفلّاحين المصريّين بريق أمل
لا تحتاج جميع المنتجات المشتقّة من الطماطم إلى استثمارات كبيرة في المعدات والتدريب، والدليل يتلخًّص بالمزارعين مثل ثابت، الذين يبرهنون على ذلك من خلال إنتاج الطماطم المجففة بالشمس.
هذه الطريقة هي شعاع من الضوء بالنسبة للمزارعين، لأنها تعني أنهم لن يقلقوا من تلف الطماطم إذا لم يتم بيعها على الفور، وأيضًا لأن المنتج النهائي نفسه أكثر ربحًا للمزارعين.
يبلغ سعر الكيلوغرام من الطماطم المجففة 2.20 دولارًا أمريكيًا، بينما تباع الطماطم الطازجة مقابل 30 سنتًا للكيلوغرام الواحد بأسعار السوق.

كنز دفين
تشتهر مدينة الأقصر بآثارها القديمة ومعابدها، وأصبحت المركز الرئيسي لمصر لتجفيف الطماطم تحت أشعّة الشمس. وتنتج المدينة، التي تبعد 650 كيلومترًا عن القاهرة، ثلث محصول الطماطم المصري البالغ ثمانية ملايين طن. ووصف المسؤول بوزارة الزراعة، والمشرف على خطّة التجفيف، محمود عبد الراضي، هذه المشاريع بأنها «كنز دفين» للمزارعين وغيرهم ممن يعيشون في المدينة.
أوضح عبد الراضي لموقع «Middle east eye» أنّ: «هذه المشاريع تفتح فرصًا واسعة للمزارعين والسكان».

كما بدأ ثابت في التجفيف بواسطة الشمس بعد أن علم بمشروع رائد لوزارة الزراعة لإنتاج الطماطم المجففة بالشمس في الأقصر. منذ ذلك الحين، انتقل من بيع الطماطم في السوق المحلية إلى تخصيص جميع المنتجات المصنوعة في مزرعته، التي تبلغ مساحتها خمسة أفدنة، للتجفيف الشمسي.

يتطلّب الأمر 10 كيلوغرامات من الطماطم للحصول على كيلوغرام من الطماطم المجفّفة. قال ثابت «هذا يبعد عنّي شعور القلق بشأن العثور على زبائن للطماطم».

يضع المشترون طلباتهم قبل أن تنضج الفاكهة وتكون الأسعار تنافسية بما يكفي للمزارعين لتغطية نفقات عملهم ومصاريف الإنتاج الأخرى. يمكن أن تصل الأرباح إلى أربعة أضعاف ما يمكن للمزارع أن يكسبه من إنتاج الطماطم الطازجة فقط. هذا هو سبب دخول العديد من الأشخاص الآخرين في الأقصر إلى تجارة تجفيف الطماطم بالشمس جنبًا إلى جنب مع ثابت.

مشاهد تجفيف الطماطم منتشرة في جميع أنحاء المدينة القديمة، وخاصة في الأجزاء الجنوبية والغربية. سيلاحظ الزوار آلاف الأمتار المربعة من الأراضي الزراعية المغطاة بالطماطم – مقطعة إلى قسمين لامتصاص أشعة الشمس بكفاءة أكبر.

وبدوره يعتبر نوبي أبو اللوز، رئيس جمعية المزارعين في الأقصر، أنّ «تجفيف الطماطم في الشمس أصبح نشاطًا عصريًا في الأقصر…ما يقارب 70% من المزارعين في المدينة يشاركون في أعمال التجفيف الشمسي الآن».

ولم يفلت هذا الاتجاه من اهتمام الشركات الأجنبية التي تتطلّع إلى الاستفادة من إمكانات صناعة الطماطم المجففة تحت الشمي المصريّة. تستضيف الأقصر بالفعل شركات ألمانية وإيطالية تتطلع إلى الإنتاج والتصدير.
في الحقيقة عندما يتعلّق الأمر بالإنتاج، تحتل مصر الآن المرتبة الثانية بعد إيطاليا، الشركة الرائدة عالميًا في إنتاج الطماطم المجفّفة بالشمس.

الحياة تتغيّر
تسبّبت جائحة فيروس كورونا في توقّف العديد من القطاعات في جميع أنحاء العالم، لكن القطاع الزراعي في مصر كان واحد من القطاعات القليلة التي استفادت. قدّم تعطّل سلسلة التوريد الدولي فرصة للمصدّرين المصريين لدخول بعض الأسواق للمرّة الأولى. قال جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، إن الصادرات الزراعية ساعدت الاقتصاد على الصمود أثناء تفشي فيروس كورونا، بينما توقفت جميع مصادر الدخل الأخرى. يأمل مزارعو الطماطم في الأقصر وأولئك الذين يعملون الآن في قطاع التجفيف الشمسي المزدهر أن يستمر الطلب في النمو حتى عندما تعود الأمور إلى طبيعتها.

وأعلن رئيس مكتب مشاريع التنمية الشاملة في وزارة الزراعة، علي حزين، أن هذه الصناعة تخلق فرصَ عملٍ لمئات من سكان الأقصر وخاصةً النساء.
يقوم مكتب حزين بتدريب النساء على عملية تجفيف الطماطم. كما قام المكتب بتزويد المزارعين بالمعدّات، بما في ذلك رفوف التجفيف، ويقدّم لهم نصائح بشأن أفضل الممارسات. كما أنّه يساعد على ربط المنتجين المحليين بالمستوردين في البلدان الأخرى. وتابع حزين شارحًا لموقع «Middle east eye»: «هذه الجهود تجلب دخلاً لجميع سكان الأقصر، وليس المزارعين فقط». بالنسبة لثابت وزملائه، كان التأثير تحويلي. وختم: «نأمل أن يستمر الطلب على الطماطم المجفّفة بالنمو في دول أخرى…هذا الطلب يغيّر حياة عدد كبير من الناس هنا».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى