تفجيرا بغداد.. أولى الرسائل لإدارة بايدن
حديث عن عودة «داعشية».. والحاجة إلى بقاء القوات الأميركية

خالد جان سيز
البصمات «داعشيّة»، المصلحة إيرانية، الرسالة موجهة إلى الإدارة الأميركية والحكومة العراقية.
فبعد تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة بيوم، هزَّ تفجيران انتحاريان بغداد، بعد فترة لا بأس بها من الأمن والاستقرار، ما طرح تساؤلاً حول رمزية التوقيت ومضمون الرسالة التي حملاها، في ما إذا كانت من طهران عبر ميليشياتها في العراق إلى إدارة بايدن قبل أي تفاوض، أم إذا كانت عودة «داعشية» فعلاً تعكس هشاشة الأمن العراقي والحاجة إلى بقاء القوات الأميركية.
في هجوم هو الأول من نوعه منذ نحو 3 سنوات، سقط، أمس، ما لا يقلّ عن 32 قتيلاً و110 جرحى، بتفجيرين انتحاريين متعاقبين، استهدفا سوقاً لبيع الملابس المستعملة في ساحة الطيران بمنطقة الباب الشرقي وسط العاصمة العراقية بغداد.
وقال الناطق باسم العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي إن «الانفجار الأول وقع قرب سينما غرناطة بعد قيام الإرهابي بالصراخ ونداء المواطنين لمساعدته على أنه مريض». وأضاف أن هذا الانفجار «أعقبه انفجار ثانٍ وقع بعد وصول القوات الأمنية إلى مكان الانفجار الأول، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى».
وأظهر مقطع مصور لحظة وقوع الانفجار الثاني، عندما اجتمع الناس لمساعدة وإخلاء الجرحى في الانفجار الأول.
وأغلق الجيش منطقة الباب الشرقي، وشهد محيط «المنطقة الخضراء» التي تضم البعثات الدبلوماسية الأجنبية انتشاراً أمنياً مكثفاً، وجرى غلق بواباتها الرئيسة عقب الهجومين.
ووجهت وزارة الصحة بـ«استنفار كوادرها الطبية وسيارات الإسعاف، وردهات الطوارئ، لاستقبال جرحى التفجيرين».
وقال الناطق باسمها سيف البدر إن «مستشفيات بغداد استنفرت كوادرها الطبية».
وطالبت رئاسة مجلس النواب الحكومة بفتح تحقيق عاجل لتحديد الجهة الأمنية المقصرة في تأمين حماية منطقة ساحة الطيران، وتزويد المجلس بتسجيل الكاميرات الأمنية.
وقال رئيس المجلس محمد الحلبوسي: «ما جرى في بغداد اليوم يؤشر إلى حالة خطرة، إذ يحاول الإرهاب الأعمى زعزعة الاستقرار واستهداف الأمن المجتمعي، ولا بدَّ من اتخاذ جميع السبل الاستباقية ضمن الجهد الاستخباري، لحماية أمن المواطن».
من جهته، ترأس رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي اجتماعاً طارئاً لقادة الأجهزة الأمنية والاستخبارية بمقر قيادة عمليات بغداد، بعد ساعات قليلة من التفجيرين.
«داعش» وراءهما؟
لم تعلن أي جهة بعد المسؤولية عن الهجومين، لكن تنظيم داعش الإرهابي غالباً ما نفّذ عمليات مشابهة في أنحاء مختلفة من العراق في أوقات سابقة، فعلى الرغم من نجاح القوات العراقية في القضاء على التنظيم نهاية عام 2017 بعد معارك دامية، فإن بعض خلاياه لا تزال تنشط في بعض المناطق البعيدة عن المدن، وتستهدف بين وقت وآخر مواقع عسكرية في تلك المناطق.
وتعليقاً على التفجيرين، قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إن «تنظيم داعش لا يزال يتحرك بقوة في العديد من مناطق البلاد»، مشيرا إلى أن «التهديد الداخلي ما زال موجوداً».
وأكد الوزير العراقي أن «التوتر الإقليمي يؤثر في وضع البلد»، مشدداً على أن «العراق لا يمكنه مواجهة التوترات وحده، ويحتاج لدعم خارجي».
وأعادت هذه التفجيرات مشهداً كان العراقيون يحاولون نسيانه، وهو مشهد الدماء والأشلاء الناجمة عن التفجيرات الانتحارية قبل سنوات.
ويقول محللون إن عودة التفجيرات إلى وسط بغداد تظهر بصمات «داعش» الإرهابي، الذي انهارت دولته المزعومة في العراق، ويبدو أنه يعتمد الهجمات تكتيكاً له، وأبرزت عدم صحة مساعي الأحزاب الموالية لإيران التي تدفع نحو التخلي عن التحالف الدولي والولايات المتحدة.
ميليشيات إيران؟
يأتي الهجومان في وقت باشرت فيه الولايات المتحدة خفض عدد جنودها في العراق إلى 2500 عنصر.
وعزا وزير الدفاع الأميركي كريستوفر ميلر قرار الانسحاب لـ «تزايُد قدرات الجيش العراقي»، إذ قال إن هذا التخفيض «لا يعني تغييراً في سياسة الولايات المتحدة»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة وقوات التحالف تبقى في العراق لتأكيد هزيمة دائمة» لتنظيم «داعش».
لكن هذا الانسحاب جاء أيضاً في ظل تصاعُد التوتر في العراق بين مجموعات شيعية موالية لإيران وواشنطن، منذ اغتيال رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، حيث استهدفت مصالح أميركية في العراق.
وأمس، أقر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتمويل بلاده للميليشيات الموالية لها في المنطقة، مبررا ذلك بأنه «إنفاق من أجل السياسة الخارجية».
من جانبه، قال الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي: «يفترض بالأجهزة الاستخباراتية أن تبذل جهدها في معرفة تفاصيل هذه الحوادث، خصوصا الأخير، مثلما رأيناها بذلت جهدا كبيرا في معرفة من يستهدف المصالح الأميركية».
خرق أمني خطير
منذ أكثر من أسبوع، تشهد العاصمة العراقية استنفاراً أمنياً غير مسبوق، ومطلع الشهر الجاري، أعلنت وكالة الاستخبارات أنها بدأت بعملية أمنية لنزع السلاح غير المرخَّص في العاصمة العراقية، منفّذة عمليات تفتيش ميداني للمناطق المحيطة بمطار بغداد.
وبوقوع التفجيرين، رأى كثيرون أنهما يعكسان «خرقاً أمنياً خطيراً». وحمّلت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق الأجهزة الأمنية «مسؤولية الخرق والانتكاسة الأمنية التي حصلت»، محذّرة من تكرارها «لما فيها من انعكاسات سلبية على حياة المواطنين وأمنهم».
وقال عضو المفوضية علي البياتي: «الجهات الرسمية أكدت أن ملاحقة للانتحاريين كانت تجري قبل تفجير أنفسهما حسب معلومات استخبارية»، مبيناً أن «الجهد الاستخباري لمنع وصول الانتحاري الى المواطن، لا ملاحقته قرب المنطقة الشعبية».
أما عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عبدالخالق العزاوي فقال: «انفجار باب الشرقي خلفه خلايا نائمة للتنظيمات الإرهابية أو أجندات سياسية، في الحالتين إرهاب يستهدف المواطنين الأبرياء». وأضاف: إن «المعركة اليوم معركة استخبارات».