تحليلات

إيطاليا ووساطة الضرورة بين تركيا والاتحاد الأوروبي

علي حمدان-

وجهت دول أعضاء في الإتحاد الأوروبي اللوم للأخير في جلستي العاشر والحادي عشر من ديسمبر الجاري، لعدم إحرازه أي تقدم على صعيد العلاقات الأوروبية-التركية، في ضوء الاستفزازات والتصعيد في الخطاب الذي بادرت إليه أنقرة ضد دول أعضاء في الاتحاد مؤخراً.

في معرض الإستجابة لمطالب أعضاءه قرر الإتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير مشددة ضد شركات تركية خاصة، وكيانات رسمية مسؤولة عن عمليات التنقيب عن الهايدروكاربونات الغير مسموح بها، بحسب القوانين الأوروبية في مياه المتوسط.

التدابير الأوروبية قوبلت بترحاب من قبل الدول الأعضاء، رغم اعتبارها غير كافية ومخففة من قبل كل من فرنسا، اليونان، وقبرص.

التوترات الأخيرة بين أنقرة وبروكسل جاءت لتفاقم العلاقات المتردية سوءاً، والتي لا تتجه نحو التحسن في المدى المنظور على الأرجح، لعدم انتفاء الأسباب الرئيسية لتدهور العلاقات ما بين الطرفين، فتركيا تخشى عزلها من قبل أوروبا وتقويضها سياسيًا، وبالتالي حرمانها من فرص إستثمارية في الغاز والطاقة شرقي المتوسط، بحسب مقالة نشرتها افاري إنترنازيونالي الإيطالية.

في هذا الوقت تتعمق الإنقسامات بين الدول الأوروبية حول تركيا مما أدى إلى ظهور فريقين، الأول تقوده ألمانيا وهو فريق معارض لسياسات واستفزازات تركيا بالطبعن لكنه يتسم باللطف وتفضيل الخيار الدبلوماسي للتوصل الى نقاط مشتركة مع أنقرة دون اللجوء إلى معاقبتها، يقابله حلف فرنسي يوناني قيرصي يتسم بحدة الخطاب ضد أردوغان.

في ظل ما يحيط بأردوغان من أزمات داخليًا، ومع الانقسام الأوروبي حول الرجل، تجد إيطاليا نفسها في وضع لا تحسد عليه، فالتصعيد التركي ضد حلفائها في شرقي المتوسط يحتم عليها دعمها لمساعي الدول الأعضاء في الاتحاد الأروبي من أجل كبح جماح تركيا، ومن جهة أخرى لإيطاليا علاقات تجارية متقدمة مع أنقرة ، ففي 2019 كانت إيطاليا الشريك التجاري الرابع عالمياً لتركيا والثاني أوروبياً.

بمعزل عن الشأنين التجاري والنفطي، فقد تمكنت أنقرة من تثبيت وجودها في بقع هامة وحساسة جداً على الصعيد الجيوسياسي بالنسبة لإيطاليا، من خلال تواجد أنقرة عسكريًا في ليبيا، ودعمها لأذربيجان في حربها الأخيرة في ناغورنو كاراباخ، يحتمان على روما توطيد العلاقات مع أنقرة لا إضعافها، كما أن تنامي تواجد روما اقتصادياً في منطقة القوقاز وأذربيجان، يدفع بها إلى التوأمة مع غريمة أوروبا الأولى: تركيا.

وساطة الضرورة

الأزمات المتراكمة ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي لم تقترب من خواتيمها بعد، وفي ضوء التأزم الراهن يجدر بإيطاليا حياكة مقاربة إستراتيجية مرنة، تحفظ مصالحها مع اليونان وقبرص الحليفتين من جهة، وإسرائيل ومصر من جهة ثانية، دون التأثير سلباً على تعاونها الإقتصادي والجيوسياسي الواعد مع تركيا، بعيد الدور الذي تمكنت الأخيرة من لعبه في ليبيا وأذربيجان، وعليه تتجه إيطاليا نحو لعب دور الوسيط أو الجسر بين الأطراف المتنازعة؛ أوروبا وتركيا، مما يكفل مصالحها مع كل الأطراف، ويسهم في ترطيب الأجواء بين أنقرة وبروكسل في الوقت عينه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى