أرمينيا مكبّلة بعد حربها مع أذربيجان

علي حمدان –
أزمة العام 2020 بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ ولدت تداعيات سياسية كبيرة في يريفان. فهي تهدد جهود أرمينيا مؤخراً لبناء المؤسسات وطرحت التساؤلات حول مصير الديمقراطية وأمن البلاد بحسب تقرير لمركز كارنيغي.
ووفقاً للتقرير أدى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ، إلى تجميد عملية العبور نحو الديمقراطية في يريفان، بعيد انتهاء ثورتها المخملية في ربيع العام 2018 وتسلم نيكول باشينيان رئيس الوزراء الأرميني للسلطة. باشينيان تبوأ منصب رئاسة الحكومة بعد تظاهراتٍ سلميةٍ حاشدة، وامتعاض عام من الحكومات السابقة التي اتسمت بحكم الحزب الواحد، أي الحزب الجمهوري، و طبقة حاكمة فاسدة تنهب البلاد، بحسب التقرير.
فوز تحالف باشينيان في انتخابات العام 2018 البرلمانية، عزز من شرعيته كرئيسٍ للوزراء، وأكد على رغبة الأرمينيين بالعبور ببلادهم نحو نظام أكثر عدالة وديمقراطية.
الحرب أوقفت الإصلاحات
باشينيان قام منذ تسلمه للسلطة بالتفرغ للإصلاحات الداخلية على حساب ناغورنو كاراباخ، الأذربيجانية بإعترافٍ دولي، والمأهولة بالأرمينيين، مما أدى إلى حكمها منذ العام 1994 من قبل حكومة يريفان.
أهمية ناغورنو كاراباخ بالنسبة لأرمينيا تعود إلى مكانة آرت ساخ، كما يسمونها، ومحوريتها في تشكيل هوية البلاد.
لكن الحرب التي اندلعت في أواخر العام 2020 والتي أنهت سيطرة أرمينيا على إقليم ناغورنو كاراباخ وضعت الديمقراطية وأمن البلاد على المحك، فالأحوال في البلاد تراجعت بشكلٍ ملحوظ على كافة المستويات خلال الحرب وبعدها.
الحرب مع أذربيجان اصطدمت مع رزمة الإصلاحات المخطط تنفيذها على المدى الطويل، فباشينيان وعد الأرمينيين فور تسلمه لمنصبه بتغيير البلاد ومكافحة الفساد المستشري، وقد تمكن من عزل الكثير من النخب السياسية التابعة للحزب الحاكم السابق، واستطاع محاسبة رسميين ثبت ارتباطهم بملفات فسادٍ مالي، وقام بكف يد الكثير من الشركات التي احتكرت قطاعات بأكملها طوال اعوام حكم النظام الجمهوري، لكن باشينيان لم يقدم على تنفيذ إصلاحات قضائية وضريبية على سبيل المثال، بل عمد إلى تعيين مقربين منه في مناصب قضائية حساسة مما أثار موجة من الانتقادات.
تقلص الحريات
حرب العام 2020 لم تؤدي إلى تعثر الإصلاحات وحسب، بل أدت إلى تقلص الحريات في البلاد، ففي سبتمبر الماضي أعلنت حكومة أرمينيا حالة الطوارئ العسكرية، ما أثار حفيظة المعارضة و أطراف وطنية ودولية أخرى، وفي أكتوبر فرضت الحكومة قيوداً على حرية التعبير وحرية الصحافة، وقامت بمنع كل أشكال الانتقاد للسلطات طوال فترة الأزمة. كما فرضت غرامات مالية مرتفعة وهددت بأحكام بالسجن لكل من يقوم بخرق القوانين المذكورة، وبالرغم من تفهّم معظم الأرمينيين لضرورة فرض قوانين وإجراءات استثنائية خلال الأزمة، إلا أن شعوراً عاماً بمبالغة الحكومة في أداءها الاستخباراتي والسلطوي كان طاغياً.
أزمات سياسية
الحكومة الأرمينية قامت برفع حالة الطوارئ في أوائل ديسمبر الماضي وألغت القيود التي فرضت خلال الأزمة على حرية التعبير والصحافة، مما أدى إلى احتدام النقاش السياسي العام بعيد خسارة الجيش الأرميني للمعركة وتجدد الانقسامات السياسية التي طبعت أرمينيا لأعوامٍ مديدة، كما طالبت بعض الأحزاب المعارضة رئيس الحكومة بالإستقالة بعد اتهامه بالخيانة من قبل المتظاهرين، نتيجة توقيعه على قرار وقف إطلاق النار المرعي روسياً.
تعاظم الأزمة سياسياً وتوجيه الإنتقادات القاسية لباشينيان أدت إلى موافقته في أواخر ديسمبر الماضي، على مناقشة إمكانية إجراء إنتخابات برلمانية مبكرة.
في ضوء ذلك يرى الأرمينيون، بأن أزمة العام 2020 عرت الاتحاد الأوروبي الذي وقف مكتوف الأيدي خلال الأزمة التي تعرضت لها، و لم يبدي التزامًا بتعهداته بحماية أرمينيا والدفاع عنها، خلال مسار انطلاقها نحو الديمقراطية.
مشاعر الأرمينيين تجاه أوروبا تغيرت ،ومن شأن ذلك التأثير على الدور الأوروبي السياسي في البلاد مستقبلاً.