لبنان: الاحتياجات تتوسع .. وكذلك الاحتجاجات
ممرض خلع ثوبه الأبيض وانضم إلى المتظاهرين: الموت بكورونا أفضل من الجوع

بيروت – علي حمدان –
خلع مصطفى دهمان زيّه الأبيض وغادر المستشفى الذي يعمل فيه لينضم إلى الشبان الغاضبين في ساحة النور في طرابلس والرافضين لقرار الإقفال العام الذي تفرضه الحكومة اللبنانية من أجل إحتواء تفشي كورونا المهول.
«نموت بكورونا أحسن ما نموت حسرة»، يقول الشاب الممرض إبن المدينة الأفقر في حوض البحر الأبيض المتوسط، لا لبنان فقط، حسبما تؤكده تقارير دولية. سريالية مشاركة الشاب الممرض في تظاهرات ضد إقفالٍ يهدف إلى الحد من فتك الجائحة الصحية تعكس سريالية واقع المدينة والواقع اللبناني عموماً.
جمال العمارة في عاصمة الشمال بدءاً بالساعة الحميدية في ساحة التل مروراً بالمسجد المنصوري الكبير الذي يتوسط سوقها ووصولاً إلى التكية المولوية الى جانب قلعة المدينة، وحلاوة جبنها لا يخفيان مرارة أحوالها التي إزدادت سوءاً منذ إندلاع الحرب في سوريا وتدفق اللاجئين إليها، لتبلغ ذروتها مع الإنهيار الإقتصادي الذي يشهده لبنان، حيث تعدت نسبة البطالة بين شبانها ال 70% بحسب معلومات أدلى بها شادي نشابة، إبن المدينة، والكاتب والباحث السياسي لـ«القبس».
الحكام يذلون الناس
«الحكومة لم تحسن إدارة الوباء. أنا ممرض وأعرف ذلك جيداً»، يقول دهمان مستنكراً إستراتيجية السلطات اللبنانية الرديئة للإحاطة بالفيروس ومنتقداً وزير الصحة الذي، على حد قول مصطفى، ناشد المواطنين للإلتزام بإجراءات الوقاية والتباعد الإجتماعي وقام بتلبية دعوة الى وليمة حاشدة قبيل الإقفال العام بيومٍ واحد.
يشكو مصطفى الذي تم احتجازه ثلاث مرات من قبل القوى الأمنية قبل الآن على خلفية مشاركته في الإحتجاج بحزن يفوق الغضب فقدان راتبه لقيمته الشرائية، «راتبي أصبح بلا قيمة والدولة فرضت الإقفال العام ولم تقدم المساعدات للناس في ظل غلاء في الأسعار وانقطاع أصناف كثيرة من الأدوية من الأسواق، فحصولي على مُسكّن الآلام لمداواة صداعي النصفي المزمن بات شبه مستحيل»، يقول دهمان الذي أعرب عن قلقه على والدته المريضة وخوفه من عدم تمكنه من تطبيبها في حال إحتاجت لذلك لعدم وجود أسرّة شاغرة في المشافي، ومكرراً سخطه من الطبقة الحاكمة التي تقوم بإذلال الناس.
من جهته يرى محمد بعريني، الناشط الإجتماعي الشمالي، بأن الشريحة الأكبر من الطرابلسيين هي من العمال المياومين الذين تأثروا بقرار الإقفال العام أكثر من غيرهم إذ ان معظم هؤلاء لن يتمكنوا من إحضار الخبز إلى منازلهم مساءً ما لم يخرجوا إلى أعمالهم في الصباح، يقول بعريني، مشيراً إلى تراجع القيمة الشرائية الذي زاد الطين بلة. «سنموت من الجوع قبل الموت جراء إصابتنا بكورونا في حال استمر الإقفال العام»، هذا هو لسان حال فقراء طرابلس برأيه.
تتعدد الأسباب والموت واحدٌ في طرابلس، بحسب ما قاله بعريني لـ«القبس»، مبدياً اشمئزازه من سياسة التجويع التي يمارسها ساسة المدينة البرجوازيين لضمان أصوات الفقارى في الإنتخابات المقبلة.
رسائل سياسية !
«قامت القوى الأمنية بتسطير 600 مخالفة لإجراءات الإقفال العام نهار الجمعة الماضي في حي الزاهرية الشعبي في المدينة، فكان غضب الناس الذي أخذ بالتعاظم يوماً بعد يوم، ليمتد إلى مناطق القبة والتبانة وساحة النور وغيرها»، يقول شادي نشابة الكاتب والباحث السياسي الذي وضع خروج شبان المدينة إلى الشوارع ليل أمس في إطار المعاناة الإقتصادية والإجتماعية من جهة والفراغ السياسي الذي تعيشه طرابلس بعد إنكفاء الحريرية السياسية وسائر الأطراف النافذة فيها من جهة أخرى. «تعكس الإحتجاجات غضب الأهالي من السلطة وشعورهم بالتهميش إجتماعياً وسياسياً»، يضيف نشابة الذي يقرأ في حراك أهالي مدينته الإحتجاجي رسائل سياسية تحاول بعض الجهات إيصالها إلى حزب الله وحلفائه في الحكم مفادها بأن الإستفراد بالسلطة ليس ممكناً، معرباً عن أمله بعودة لبنان إلى الحاضنة العربية والدولية قبل تلاشيه.
«الإحتياجات ستتوسع، وكذلك الإحتجاجات»، يقول الصحفي والباحث السياسي اللبناني توفيق شومان، مشاطراً نشابة التأكيد على معاناة الناس وعلى الإستعصاء السياسي الذي يؤجج الأزمة، فحرب الصلاحيات بين الرئاستين الأولى و الثالثة، بحسب شومان، حقيقية . «بموجب الدستور يتحتم على رئيس الجمهورية التوقيع على التشكيلة الحكومية، وتيار رئيس البلاد يريد المشاركة في التشكيل دون المشاركة في تحمل المسؤولية أمام المجلس النيابي. لماذا يود فخامة الرئيس الشراكة الكاملة في التشكيل دون الشراكة في المحاسبة؟»، يتساءل شومان، داحضاً إتهام حزب الله بعرقلة مسار تأليف الحكومة ولومه على عدم الضغط على تيار عون من أجل تسهيل مهمة الحريري، منوهاً الى أن الحزب يدعم عودة الأخير إلى الحكومة ويحرص على التوازنات الداخلية والإمساك بالعصا من المنتصف.
«مسألة التأسيس لنظام سياسي جديد في لبنان مطروحة لكن تبلورها صعب في ظل غياب الرعاية الإقليمية والدولية، وعليه أستطيع القول بأن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التعقيد والصدامات والإحتجاجات مستقبلاً»، يقول شومان مختتماً حديثه لـ«القبس».
المواطن يقف وحيداً يتلقى الصفعات
الإحتجاجات الليلية في طرابلس أسفرت عن سقوط أكثر من 40 جريحاً كما جاء في بيان الصليب الأحمر اللبناني، وتزامنت مع قطع طرقات وتظاهرات في بيروت والبقاع وفي صيدا جنوباً، وسط قمعٍ من قبل القوى الأمنية واعتداء على صحفيين وهو ما ندد به النائب اللبناني السابق مصباح الأحدب معتبراً أن «عمليات القمع لن تجدي والكلام عن تحرك خلايا إرهابية لتبرير إستخدام الأجهزة الأمنية للشدة لا ينطلي على أحد، فالدولة تقول للناس إبقوا في المنازل لأنها لا تملك خطةً إنقاذية»، داعياً الحكومة إلى القيام بواجباتها.
القاضي جوفاني فالكوني الذي إقتص من زعماء المافيا في بلاده فغير وجه إيطاليا إلى الأبد يقول: «حيث تحكم المافيا يتسلم الأغبياء مفاصل الحكم»، وبين من يستخدم الناس لتمرير رسائل سياسية ومن يمسك العصا من المنتصف، يقف اللبناني وحيداً فريداً لتلقي الصفعات.