تقارير

لبنان: السلطة تقحم الاحتجاجات في البازار الحكومي

مخاوف جدية من تنامي التحركات واتخاذها طابعاً عنيفاً بعد مقتل شاب

بيروت – أنديرا مطر

مع سقوط الشاب عمر طيبا قتيلاً في طرابلس شمالي لبنان جراء الاشتباكات مع قوات الأمن خلال الاحتجاجات، بدأت دعوات الناشطين اللبنانيين للنزول إلى الشارع في مختلف المناطق بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، رغم قرار الإغلاق العام الذي فرضته جائحة كورونا. فتحت وطأة الجوع وفقدان أدنى مقومات للوضع المعيشي، تواصلت الاحتجاجات الشعبية في طرابلس لليوم الرابع على التوالي، في ظل مخاوف جدية من تنامي هذه التحركات واتخاذها طابعا عنيفاً يمهد لاستغلالها سياسيا لضرب ما تبقى من استقرار أمني واجتماعي.

الشاب عمر يعمل في فرن، وهو من سكان أحد الأحياء الشعبية الفقيرة، وحاله كغيره من الشبان الذين تجمعوا في ساحة النور (وسط طرابلس). ويقول أحمد الجبلي (33 عاماً)، وهو أب طفلين: «يتهمنا البعض بالإرهاب وبإثارة الشغب، ولكننا نريد فقط تأمين الحليب والخبز لأطفالنا»، مضيفاً «لا نخاف الكورونا، نحن نموت في كل لحظة».

وبعد ليلة صاخبة شهدتها شوارع المدينة الفقرية، بدأت هذه التحركات تتمدد الى منازل السياسيين ما يوحي بأن هذه الفورة الشعبية لن تتراجع، لاسيما انها بدأت تواكب بتحركات مناطق أخرى في بيروت والبقاع.

إنهاء الاحتجاج بأي ثمن

وإزاء تصاعد الاحتجاجات واتخاذها طابعا عنيفا خرجت أصوات سياسية وإعلامية متهمة جهات سياسية لم تسمها باستغلال التحركات الاحتجاجية لاهداف سياسية، وعمد كل طرف الى التصويب على الطرف الآخر، بتحميله مسؤولية إثارة الشارع، بهدف دفعه إلى تقديم التنازل. وفي السياق، أفادت مصادر سياسية، إلى أن قرارا على أعلى المستويات قد اتخذ بوجوب إنهاء الاحتجاجات في طرابلس بأي ثمن.

واللافت ان التصويب على انتفاضة الطرابلسيين ومحاولة نزع الطابع المعيشي عنها بالقول انها مفتعلة وتقف خلفها جهات سياسية، أتى من اطراف متخاصمة. فالتيار الوطني يتهم تيار المستقبل بالوقوف وراء هذه التحركات، باعتبار أنها تستهدف الرئيس ميشال عون عبر افتعال تحركات شعبية ضده. رئيس التيار جبران باسيل اعتبر أن تحريك الشارع المعروف الانتماء والتمويل، انما هو لحماية المنظومة المالية السياسية الفاسدة. في المقابل، اعتبر عضو كتلة المستقبل النائب ‏‎محمد الحجار أن «مجموعات تنتمي لعون هي التي حركت الشارع في ‎طرابلس».

في الأثناء السلطة غائبة، فالملف الحكومي عالق في نزاع كبير بين رؤيتين متضاربتين على كيفية ادارة البلد في المرحلة المقبلة، خصوصا أن «حكومة المهمّة»، المفترضة ستمسك بمفاصل بجملة استحقاقات سياسية واقتصادية هي محل خلاف حاد بين فريق عون وفريق الحريري، وثمة رهان في الأوساط السياسية على إعادة احياء المبادرة الفرنسية بناء على تقاطع فرنسي أميركي جديد في مقاربة الملف اللبناني، بدليل تحرك السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا ولقائها رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان.

لكن مصدر نيابي قال لـ القبس ان لقاءات السفيرة الأميركية تمحورت حول ملف ترسيم الحدود، الذي يعتبر أولوية بالنسبة الى الإدارة الأميركية لبنانيا، لا سيما بعد ضغوط الكيان الصهيوني المستمرة على لبنان.

هل فعلا لا يزال لبنان في دائرة الاهتمام الفرنسي، وهل حضر لبنان في اتصال الرئيسين ماكرون وبايدن الى حد الرهان على احياء المبادرة الفرنسية؟

مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية الدكتور سامي نادر أوضح في تصريح لـ القبس ان المبادرة الفرنسية انطلقت من مصالح فرنسية واضحة، تعتبر ان لبنان هو آخر بقعة نفوذ لها في الشرق الأوسط، الى جانب مصالح نفطية في المنطقة، لا سيما بعد التوغل التركي في المتوسط الى جانب مخاوفها من امتداد الدور الروسي على حساب دورها.

معروف ان هذه المبادرة اصطدمت بالنزاع الأميركي الإيراني. لأن إدارة ترامب اعتبرت ان الفرنسيين تمادوا في لعب دور الوسيط الى حد تعويم حزب الله فحركت على الفور ملف العقوبات.

ويعتبر المحلل السياسي أنه من الطبيعي ان يعاد تحريك هذه المبادرة مع تغيير الإدارة الاميركية، لأنها أولوية في سياسة فرنسا الشرق أوسطية. اما الرهان على تكامل فرنسي أميركي فلا يزال من المبكر الحديث عنه، صحيح أن الاتصال بين ماكرون وبايدن تناول الوضع اللبناني، ولكن لا نزال بعيدين عن أي تسوية.

ويوضح نادر ان الأرضية لهذه التسوية تتوقف على الموقف الإيراني. المطلوب اميركياً من ايران، بحسب مؤشرات عديدة في واشنطن في الأسبوعين الأخيرين، خطوات ملموسة لتقدير إمكانية العودة الى الاتفاق النووي. وهذه العودة محكومة بخطوط عريضة: مسألة الصواريخ، مستوى تخصيب اليورانيوم، إضافة الى أن اي تسوية لن تقدم عليها واشنطن من دون شركائها وهم «الأوروبيون والدول الخليجية والكيان الصهيوني».

لغاية اليوم، لم تقدم ايران اي مؤشر في هذا الاتجاه، بحسب نادر. فهي لا تزال على مواقفها التصعيدية لتعزيز أوراق تفاوضها على طاولة المفاوضات، من اطلاق الصواريخ على السعودية، الى إعلانها عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم.

لبنان في أدنى تصنيف ائتماني

في المحصلة، سيبقى الملف الحكومي مفتوحا على نزاعات مؤجلة الى اتضاح الصورة إقليميا ودوليا. على الأرض الشارع يغلي اختناقا بالجوع والوباء، أما على الصعيد المالي، فانهيار ما بعده انهيار، إذ منحت وكالة موديز للتصنيف الائتماني لبنان في تقريرها أدنى تصنيف ممكن ان تمنحه على الإطلاق، أي مرتبة C، وهي مرتبة تعكس الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلد.

عون تدّعي على سلامة

وغير بعيد عن الازمة المالية، وتزامنا مع قرارا القضاء السويسري الاستماع الى حاكم مصرف لبنان بشأن تحويلات مالية مشبوهة، ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعلى رئيسة لجنة الرقابة على المصارف، بجرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة. وفي السياق، دعا النائب جبران باسيل القضاء اللبناني لمواكبة القضاء السويسري في هذا الملف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى