شتاء غزة القاسي.. سيول وضائقة ووباء

علي حمدان –
الشتاء قارس وقاسٍ في غزة هذا العام، فقد أدى انهمار الأمطار الغزيرة مؤخراً إلى سيول في أزقة القطاع، وفيضانات في منازل الفلسطينيين، لا سيما في مخيم الشاطئ حيث وقف بهاء حمد الأربعيني يحصي الأضرار التي خلفتها العاصفة ،في جدران منزله وسقفه المهشم، ويقول لموقع إلكترونيك إنتفاضة: «لا أمتلك المال الكافي لبناء سقف إسمنتي، يمنع تسرب مياه الأمطار إلى داخل المنزل».
يعيش حمد مع زوجته وخمسة أطفال، وحال بيته كحال الكثير من منازل المخيم المحروم، ويشير إلى أن طرقات المخيم تلفت جراء السيول على مر السنين، مما أدى إلى تضرر المنازل بسبب البنى التحتية الرديئة، مؤكداً أنه لو كانت بنى القطاع التحتية أكثر جودة، وخاضعة لصيانة دورية، لكان بالإمكان تلافي السيول وتحول المنازل والأحياء إلى بحيرات بعد كل هطول للأمطار، لكن ذلك ممنوع على غزة المحاصرة من قبل قوات الاحتلال منذ 14 عاماً.
كان العام 2020 سيئاً في كل دول العالم بكل المقاييس، وكان أكثر سوءاً في غزة المكتظة بالسكان، والمحاصرة من قبل الكيان الصهيوني من جهة، وفيروس كورونا من جهة أخرى، والذي دفع بالسلطات الى فرض إجراءات وقائية وإقفالات عامة متتالية جراء تفشيه بشراسة.
فقر مدقع
وتشير البيانات المتوفرة إلى أن أكثر من نصف سكان القطاع كانوا يعيشون فقراً مدقعاً أصلاً، فضلاً عن أن الاقتصاد في حالة تدهور مستمر، جراء الحصار والاعتداءات الصهيونية المتكررة، والتي كبدت القطاع أكثر من سبعة عشر مليار دولار بين العام 2007 والعام 2017، بحسب تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة.
ويعاني أهالي غزة الأمرّين هذا الشتاء، مع افتقار السلطات للمستلزمات الطبية والأدوية والكوادر البشرية المختصة الكافية لمكافحة الوباء، كما ساهم غياب البنى التحتية وتمديدات الصرف الصحي المتكاملة، إلى مضاعفة معاناة مليوني فلسطيني.
قوات الدفاع المدني الفلسطيني تلقت أكثر من 130 اتصالاً، للإبلاغ عن حالات طارئة في المنازل بسبب الأمطار حتى الآن، وعلى مسافة أيام من فبراير، أكثر أشهر الشتاء غزارةً في فلسطين وبلاد الشام، تتوقع وزارة الداخلية الفلسطينية تلقي المزيد من هذه الشكاوى.
في فبراير الماضي خسر جميل أبو ريالة، إبن الأربعين عاماً ، منزله جراء عاصفةٍ عاتية، وتطايرت الأسقف المعدنية لمسكنه ومسكن ذويه، وتسربت وانهمرت الأمطار على أثاث منزله و مقتنياته.
«لا أمتلك المال لشراء مفروشات جديدة و إصلاح الثقوب في الجدران وصيانة السقف»، يقول جميل لموقع الكترونيك انتفاضة، ويضيف: «كل منازل المخيم متضررة بشكل كبير جراء الأمطار والسيول، حاولنا في السنوات السابقة تثبيت عوائق حديدية و بعض الأحجار، من أجل صد السيول والحؤول دون تدفقها نحو المنازل، لكننا لم ننجح».
معاناة في خان يونس
وفي مخيم خان يونس يعاني الفلسطينيون ظروفاً أقسى، فسوزان حنيدك وزوجها وأولادها الستة، يتجمعون كل ليلةٍ حول مدفأة الحطب لتجنب البرد والرطوبة في منزلهم الذي يفيض بالمياه من كل الجهات.
زوج حنيدك، محمد، مزارعٌ لكنه لم يتمكن من إيجاد فرصة عمل منذ خمسة أعوام، ولا يمتلك المال لتغيير مكان سكنه أو صيانة الشقوق في جدران.
«نشعر بالبرد دائماً، لقد اعتدنا الأمر»، يقول الزوج، بينما تحاول الأم البقاء مع أطفالها وزوجها على مقربةٍ من مدخل المنزل حيث التسرب أقل.
«أعمل كمساعدة منزلية من أجل شراء الطعام لأولادي، نصارع بشكلٍ يومي من أجل الاستحصال على لقمة عيشنا، لكن أمطار ديسمبر هزمتنا، في إحدى الليالي استيقظ أبنائي جراء وصول البلل إلى أسرتهم وأغطيتهم»، تقول حنيدك.
في منطقة الشيخ رضوان في القطاع يقطن محمد راضي في منزلٍ من المفترض أن يحميه وعائلته من المطر، لكن عدم تمكنه من صيانة سقفه هذا العام بسبب الضائقة المالية التي يعانيها حوّل بيته الصغير إلى بحيرةٍ مؤثثة.
خلال فصول الشتاء الماضية تمكن راضي من تجميع الحطب، لكن الإجراءات المفروضة بسبب تفشي كورونا منعته من القيام بذلك هذا العام.
«هذا الشتاء قاسٍ منذ بدايته، فمنزلي باردٌ جداً ولا يصلح للحياة الآدمية، حتى الحيوانات لن تتحمل العيش في منزلٍ باردٍ تتسلل المياه من جدرانه المتصدعة طوال الليل»، يقول راضي مختتماً قصة معاناة من قصص القطاع الحزين الكثيرة.