زيارة ماكرون الثالثة إلى لبنان.. حكومة بأي ثمن!
مواجهات طرابلس مددت الصراع السياسي إلى الأجهزة الأمنية

بيروت – أنديرا مطر
الانفجار الأمني الاجتماعي في لبنان، الذي بدأت ملامحه تظهر من عاصمة الشمال طرابلس، لم يمثّل جرس إنذار بالنسبة إلى السلطة والمنظومة الحاكمة، التي رأت فيه فقط مجرد تحريك شارع سياسي لأخذ مكاسب سياسية عبر العبث بالأمن، فيما تفكير الطرابلسيين وسائر اللبنانيين ينصبّ في مكان واحد فقط: كيف نتفادى «كورونا» ونؤمن لقمة عيش أطفالنا؟
عدم تحرك السياسيين لم يفاجئ الشعب، فهؤلاء لم يتحركوا لتفادي أسوأ كارثة على بيروت حصلت في 4 أغسطس، ولم يتحركوا حتى بعد تقريع دول العالم لهم، لا سيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي على الرغم مما حصل معه ومع مبادرته، إلا أنه يصر على الاهتمام بلبنان، وسيزوره قريباً، مجدداً القول إن مبادرة بلاده للحل في لبنان لا تزال مطروحة.
إذاً لم تسهم مواجهات طرابلس الدامية، ولا الكلام عن زيارة مرتقبة لماكرون في تخفيف حدة السجال بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف على خلفية عرقلة تشكيل الحكومة. على العكس، فإن وتيرة الهجمات المنسقة على الحريري تصاعدت بسرعة في الآونة الأخيرة مع احتدامات طرابلس، ما اعتبرته أوساط معارضة للعهد استكمالاً لمسار بدأ منذ تكليف الحريري، ويسعى إلى إسقاط هذا التكليف بعد فشل حمله على الاعتذار.
وعلى مدى اليومين الماضيين، استمرت حرب البيانات، في وقت برز تصعيد من فريق في الطائفة الدرزية، محسوب على تيار عون وحزب الله، لتطويق الحريري وتكبيل يديه، فقد صعّد النائب طلال أرسلان نبرتَه في وجه الحريري، مطالباً بوزيرين درزيين، ورافضاً حكومة من 18 وزيراً، وكذلك فعل الوزير السابق وئام وهاب، الذي هدد حزبه بأن «الأمر لن يمر مرور الكرام، وقد أعذر من أنذر».
وفي ظل الحرب المستعرة، يبدو الحديث عن تأليف الحكومة ضرباً من الوهم، في وقت يستمر صمت حزب الله في هذه المعركة وامتناعه عن إبداء أي موقف، ما يعني – حسب أوساط سياسية – أن أوان ورقة الحكومة بالنسبة للجمهورية الإيرانية لم يحن بعد. ووفق هذه الأوساط، فإن زيارة ماكرون المرتقبة تبدو عديمة الأثر في المعطيات الراهنة.
ويبدو أن وباء الانقسام السياسي انتقل إلى الأمن، فأخطر ما نجم عن مواجهات طرابلس، هو تمدد النزاع بين جهات سياسية عدة إلى صراع داخل الأجهزة الأمنية نفسها، فلم تستدعِ حالة الغليان المستمرة في طرابلس عقد اجتماع أمني موسع واتخاذ الإجراءات الأمنية لحماية المدينة، وبدأ التجاذب بين قوى الأمن والجيش بشأن تحمّل المسؤولية.
فعاليات طرابلسية عدة تواصلت مع المسؤولين بعد يوم على اندلاع المواجهات لإبلاغهم عن مخاطر محدقة في طرابلس. المعلومات تفيد بأن رئيس الحكومة حسان دياب تواصل مع رئيس الجمهورية لعقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع، إلا أن عون طلب من وزير الداخلية ورئيس الحكومة دعوة مجلس الأمن المركزي للاجتماع.
وكشف السياسي الطرابلسي توفيق سلطان أن وزير الداخلية ذهب إلى طرابلس سراً ليل الأربعاء، ولم يعقد اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي في المدينة. وعندما تواصل مع رئيس الحكومة أبلغه أنه ليس هناك ما يستدعي مثل هذا الاجتماع!
من جانبه، لفت الوزير السابق رشيد درباس إلى أنه أبلغ وزير الداخلية محمد فهمي ظهر الخميس، أي قبل إحراق مبنى البلدية، بوجود معلومات عن التحضير لأعمال شغب في المدينة، وبأنه أرسل رسالة الى الجيش «وذكرت فيها أنها ستكون ليلة عرس للجيش إذا مرت على خير ولم يتحرك أحد». وأضاف: «معظم المسؤولين الأمنيين الكبار يجيبون أنهم لا يعرفون شيئاً عن خلفية ما حدث».
بالتوازي، أكد النائب شامل روكز «حصول فشل أمني في إدارة التظاهرات في طرابلس، إذ كان يُمكن منع المجموعات المعتدية من الدخول الى مراكز إدارات الدولة وإحراقها».
وقال روكز وفقاً لخبرته العسكرية إن «المجموعات المعتدية معلومة لدى الأجهزة الأمنية، وإن بعض السياسيين وجزءاً من الأجهزة قد يكون وراء ما حصل».