تقارير

دور رعاية المسنين في زمن «كورونا».. عزلة وحرمان وأمل

علي حمدان –

تحتفظ ماريا بصورةٍ كانت قد التقطتها قبل ثمانية أيام من وصول فيروس كورونا الى إيطاليا في أوائل العام 2020، حيث تبدو السيدة التسعينية متأنقة في الصورة إياها بشعرها الأسود الداكن وتسريحتها الكلاسيكية.

«أنظر كيف أصبح شكلي الآن»، تقول ماريا مشيرةً إلى شعرها الذي أصبح رمادياً و أشعثاً، ومتحسرة على زمن ما قبل كورونا، حين كانت تمضي وقتها في تجاذب أطراف الحديث مع أصدقائها في دار رعاية المسنين الذي تقطنه، وفي استقبال أفراد عائلتها ومشاهدة العروض المسرحية على خشبة المأوى، أو مع مصففة الشعر التي لم يعد مسموحاً الاتصال بها، بسبب الإجراءات الإحترازية المصاحبة لظهور الفيروس التاجي.

أصيبت ماريا المربية المتقاعدة والأم لإبنين وجدة الأحفاد الخمسة بالفيروس في خريف العام الماضي، فتم عزلها في غرفةٍ في دار الرعاية دون إعلامها بإصابتها.

«لم يخبرني أحد بأني مصابة بفيروس كورونا، لقد شعرت بوهنٍ شديد ولم أستطع النهوض من فراشي لأيام»، تقول العجوز التي تمكنت من الانتصار على الوباء الذي حصد أكثر من 90 ألف إيطالي في أقل من عام.

الزيارات ممنوعة

«لم آخذ الوباء على محمل الجد في بادئ الأمر، لقد اعتقدت بأن الإجراءات الوقائية سوف تستمر لثلاثة أسابيع أو شهرٍ على الأكثر قبل أن تعود الحياة إلى طبيعتها، لكن كورونا بعثر حياتنا في هذا المركز: الزيارات أصبحت ممنوعة، وكذلك الخروج والتنزه في الحديقة والمساحات المشتركة»، تقول ماريا واصفة أحوال المسنين في الدار بعد ظهور كورونا، ومعربة عن امتنانها لرعاية الإدارة بهم وحرص القيّمين على حمايتهم من خلال إجراءات الوقاية، لكنها تساءلت في الوقت عينه عن جدوى العيش في عزلة لأشهر وعدم التمتع بمباهج الحياة لا سيما مع تقدم المرء في السن وتقلص المدة المتبقية له على هذه الأرض؟.

الإنفلونزا الإسبانية

«لقد ولدت في الثلاثينيات، وتوفيت أمي بعد ولادتي بأشهرٍ جراء إصابتها بورمٍ خبيث، أذكر جيداً القصص التي روتها لي زوجة أبي عن الإنفلونزا الإسبانية التي ضربت العالم في العام 1918، أستطيع القول بأن فيروس كورونا الذي نعيشه الآن هو الأقرب للإنفلونزا الإسبانية بحسب التفاصيل التي سردتها مربيتي»، تستطرد ماريا.

تتساقط الثلوج على مدينة أبروزو الإيطالية في الخارج، لون قرميد المنازل أصبح أبيضاً كلون الإضاءة في الغرفة الزجاجية المستحدثة داخل الدار الذي تسكنه ماريا، والتي يجلس فيها المسن ليستقبل أقربائه بين حين وآخر ليتمكن من رؤيتهم من خلف الزجاج العازل وإدخال ساعديه في أكمام النايلون لمصافحة أحفاده ومعانقتهم دون لمس درءاً لالتقاط العدوى.

«أشعر برغبة في الضحك عند دخول الغرفة هذه، لكني أحب حفيدي كثيراً، هو من ذوي الاحتياجات الخاصة ووالده يحرص على إحضاره كي أراه بين حينٍ و آخر، فهو شبه أبكم  ومحادثته على الهاتف شبه مستحيلة» تقول ماريا، منوهة إلى عشقها للحلويات التي يحرص إبنها على إحضارها لها في كل زيارة، لا سيما الكعك والبسكويت وألواح الشوكولاتة الداكنة.

التلفاز الصديق الوحيد

تتحدث ماريا عن الأيام التي تمر ببطئ في زمن كورونا، وعن التلفاز الذي أصبح صديقها الأوحد بعد حرمانها و أصدقائها من التجمع في مكتبة دار الرعاية العامة والنادي الصحي والمسرح وغيرها من الأماكن التي أتاحت لهم الاستمتاع بأوقاتهم قبل الأزمة.

لا تبدوا ماريا متأثرة بأرقام الضحايا وعداد الإصابات الصادر عن السلطات الصحية، والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

«سوف نخرج من هذه المرحلة العصيبة وسوف نتخطى الوباء، أنا متفائلة جداً، وأثق باللقاح التي باشرت السلطات بتوزيعه، سوف أتلقاه، رغم أنني لا أمتلك الكثير من المستقبل، لا أعلم متى تحين ساعتي، لكن الحياة مديدة أمام شبان وشابات إيطاليا ومستقبل هؤلاء آمن»، تقول جازمةً.

وتقول دانيلي بافيلي، مديرة المركز الذي تعرض عدد من العاملين به للإصابة بالفيروس مؤخراً، مما أدى الى تشديد الإجراءات: «توقفنا منذ بداية الجائحة عن استقبال مسنين جدد، كما خيرنا المسنين لدينا بين بقائهم هنا والتزامهم بإجراءات الوقاية، أو تفضيلهم الذهاب للعيش مع ابنائهم خلال فترة الإقفال العام، لكنهم وافقوا على البقاء جميعاً دون استثناء».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى