عام على مقتل سليماني.. والتوترات العراقية في حالة غليان

جان ماري توما-
بعد مرور عام على اغتيال القوات الأميركيّة لأكبر قائد عسكري إيراني، تتصاعد التوتّرات بين رئيس الوزراء العراقي المدعوم من واشنطن والقوات الموالية لطهران، التي تتّهمه بالتواطؤ في ضربة بغداد بطائرة مسيّرة.
أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجات صادمة إلى المنطقة في 3 يناير 2020، مع الاغتيال الذي استهدف الجنرال الإيراني قاسم سليماني وملازمه العراقي، الأمر الذي أغضب الجمهورية الإسلامية وحلفائها.
وأعلن ترامب أنّ الضربة جاءت ردًا على سلسلة من الهجمات على المصالح الأميركية في العراق.
ومع بقاء أسابيع فقط في البيت الأبيض، حذّر ترامب، في حال وقوع هجمات جديدة، «سأحمّل إيران المسؤولية».
ولا يزال العراق الذي أوجعته الحرب، ممزّقا بين قوة الاحتلال السابقة للولايات المتحدة وإيران المجاورة، العدو اللدود لواشنطن، والتي زاد نفوذها بشكل كبير منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين عام 2003.
اتّهام رئيس الوزراء بالخيانة.. وانقسام الوجهة العراقية
تعرض رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي تولّى منصبه في مايو الماضي، لتهديدات شديدة اللهجة من الجماعات شبه العسكرية القويّة الموالية لإيران. ونذكّر ان الكاظمي كان يتولّى في السابق منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي.
وتقول مصادر أمنية إن التوترات اندلعت بعد اعتقال رجل خطّط لهجوم على السفارة الأميركية، وهو مقاتل من «عصائب أهل الحق»، أحد فصائل شبكة الحشد الشعبي شبه العسكرية، وفق ما ورد في موقع «يلي ستار».
وتابعت المصادر أن مقاتلي «عصائب أهل الحق» الغاضبين انتشروا في شوارع بغداد وهدّدوا باستهداف الكاظمي بشكل شخصي ما لم يتم إطلاق سراح رفيقهم.
وهدّد مقاتل مقنّع يرتدي مسدسات، في واحد من عدّة مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت «نحذر كاظمي، إذا لم تتراجع فسوف تُعاقب».
وهدّدت مجموعة أخرى «بقطع آذان … الخائن».
وتتهم القوات الموالية لإيران الكاظمي، بالتواطؤ في مقتل سليماني، الذي كان رئيس العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، ومقتل نائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
قال المحلّل سجاد الجياد إنّ «احتمال انهيار حكومة الكاظمي مرتفع للغاية»، مشيرًا إلى أن الجماعات الموالية لإيران «لديها حلفاء سياسيّين قد يطيحون به».
ومن جهّته، حث رئيس الوزراء العراقي على الهدوء لكنه حذّر أيضا من «أننا مستعدّون لمواجهة حاسمة إذا لزم الأمر».
أدت الحرب الكلامية إلى تصعيد التوترات في بلد لا يزال هشًا سياسيًا بعد سنوات من الحرب ويكافح جائحة كورونا، كما انّ اقتصاده يعاني من الانخفاض الحاد في الطلب العالمي على النفط.
الكاظمي يتفادى التصعيد
قالت مصادر أمنية لوكالة «فرانس برس» إنّ المخابرات العراقية ستسلّم مقاتل «عصائب أهل الحق» لمديرية أمن الحشد.
وشرح المحلل سجاد جياد إنّ مثل هذه التسويات تُظهر أن الكاظمي يختار الوضع الراهن، بدلاً من التصعيد مع الجماعات المسلحة.
في ظل افتقارها إلى القوة السياسية والعسكرية لمواجهة مباشرة، اختارت الحكومة العراقية الحوار.
وصرح مسؤول عراقي رفيع المستوى لوكالة «فرانس برس» بأن كبير محاوري رئيس الوزراء مع إيران، أبو جهاد الهاشمي، كان في طهران الأسبوع الماضي لمحاولة التوسّط.
وأشار جياد إلى انّ أبو جهاد الهاشمي، «حاول على الأرجح إقناع طهران بمنع حلفائها في العراق من شن مزيد من الهجمات على مواقع دبلوماسية أو عسكرية أميركية وأجنبية أخرى».
ترقّب أمني
ونذكّر أنّه تمّ الحفاظ على الهدوء النسبي، منذ أكتوبر، عندما وافقت الجماعات المتشدّدة على وقف الهجمات إلى أجل غير مسمّى، بعد عام من إطلاق الصواريخ المتكرّرة والقنابل. لكن مثل هذه الهجمات بدأت تستأنف.
وصرح مسؤول عسكري أميركي كبير لوكالة فرانس برس، أنّه حتى خلال «الهدنة»، كانت طائرات استطلاع بدون طيار تحلّق عدة مرات أسبوعيًّا فوق السفارة الأميركية والمجمّع العسكري المجاور الذي يستضيف قوات دوليّة.
وسحبت السفارة الأميركية بالفعل موظفيها غير الأساسيّين العام الماضي، وقلّصت قبل أسابيع قليلة أيضًا عدد الموظفين بشكل أكبر، وهذا ما وصفه مسؤول عراقي كبير بأنه خطوة موقتة مدفوعة «بالتحفظات الأمنية».
كما اعتبر مسؤولون عراقيون وغربيون، هذه الخطوة، نذيرًا لمزيد من العمل العسكري الأميركي.
وقال دبلوماسي غربي: «ستحتاج الولايات المتحدة إلى إخراج موظفيها قبل أن تتصرف، حتى لا يتم استهدافهم في أي انتقام محتمل».
أخيرًا، مع غليان التوترات في الداخل، فإن العراقيين يراقبون واشنطن أيضًا في الأسابيع الأخيرة قبل أن يسلّم ترامب السلطة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن. وغرّد ترامب أن الولايات المتحدة كانت تسمع «ثرثرة عن هجمات إضافية ضد أميركيين في العراق» وحذر من أنه «إذا قُتل أميركي، فسأحمّل إيران المسؤولية».