الشرق الأوسطتقارير

الأكراد كبش المحرقة في سوريا

علي حمدان-

يمسك الروس والأتراك بمصير عين عيسى ذات الموقع الإستراتيجي والقابعة في شمالي سوريا بأيديهم. عين عيسى، الممسوكة شكلياً من قبل حزب سوريا الديمقراطي ذو الأغلبية الكردية وفعلياً من قبل القوات الروسية واجهت مخاطر شن الجيش السوري الحر المدعوم من قبل تركيا هجوم عليها على خلفية جسر إستراتيجي متنازع عليه في المنطقة، فبادر الكرد الى طلب الدعم العسكري والحماية من قوات بوتين، لكن للأخير حساباته السياسية ومصالح تدفعه لخذلانهم وسعيه لإقناعهم بتسليم المدينة للجيش السوري النظامي، وعليه، فالكرد قد يجدون أنفسهم عرضة للخيانة مرة أخرى من قبل الاطراف الأجنبية اللاعبة في الحرب السورية وللمرة الثانية خلال عامين، ورغم بؤس المشهد كردياً، يبقى العامل الجيو-سياسي المتمثل بلعبة الشطرنج التركية-الروسية البالغة التعقيد هو الأطغى في عين عيسى، فهم حلفاء تارة، وأخصام طوراً، وحلفاء أخصام  في وقت واحد غالباً، وهي الحالة في ما يخص المدينة، بحسب مقالة نشرتها الدايلي ستار.

لتفاصيل أوفى حول علاقة البلدين وانعكاساتها على الأكراد لا بد من العودة الى أحداث التاريخ القريب، ففي العام 2018 هددت تركيا والجيش السوري الحر أكراد عفرين، فلجأ هؤلاء الى روسيا وقواتها المتموضعة على مقربة من مدينتهم لطلب الدعم لكن الأخيرة رفضت وطالبتهم بتسليم مناطق نفوذهم للجيش السوري. بعد شهرين، قامت القوات المدعومة تركياً بالسيطرة على عفرين.

عام 2019 تأمل ألأكراد في شمال سوريا خيراً بالأميركيين فطلبوا من قواتهم المنتشرة في المنطقة الحماية من إعتداءات تركيا، لكن الأميركيين إنسحبوا حينها وأعطى دونالد ترامب الضوء الأخضر لتركيا للبدء بعملية ربيع السلام للإستحواذ على رأس العين، تل أبيض، مناجير، سولوك ومبروكة، بالتزامن مع دخول القوات الروسية الى الرقا، منبج، الطبقة، كوباني وتل عامر.

بالرغم من الحادثتين المذكورتين أعلاه تعول بعض الفصائل الكردية على مساعدة جهات أجنبية لحفظ نفوذهم في عين عيسى السورية ظناً منها بأن الولايات المتحدة الأميركية قد تلجأ الى دعم وجودهم في المدينة مع الحديث عن عزم واشنطن إنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة، لكن آمال الأكراد تبدو سرابية في ظل التوجه الأميركي نحو تخفيض إنخراطها عسكرياً سواء في سوريا او غيرها لا سيما مع دنوّ موعد خروج ترامب من البيت الأبيض، بالإضافة الى تواجد القوات الروسية في المنطقة.

تقاسم النفوذ في المنطقة بين تركيا وسوريا على قدم وساق وحرص إدارة ترامب على عدم حشر أنفه بين الطرفين يبدو جلياً، فالحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان في ناغورنو-كاراباخ والمدعومة من قبل موسكو وأنقرة صاحبها صمت أميركي مطبق.

بالعودة الى عين عيسى، فقد قام سكانها بالتظاهر أمام القاعدة العسكرية الروسية مطالبين بحمايتهم من إعتداء تركي يرونه وشيكاً، فأتى الرد الروسي مطابق لرد عام 2018 لكرد عفرين: سلّموا المدينة للقوات المسلحة السورية.

في الوقت الذي تصف فيه روسيا تواجدها في سوريا بالضامن للإستقرار، فإن هدف تمركزها الحقيقي هو تأمين موطئ قدم عسكري لها في المنطقة، حماية قاعدتها البحرية في طرطوس ونفوذها في الشرق الأوسط عموماً. على الصعيد المحلي، ساعد تدخل روسيا في سوريا بتزخيم سردية صعود دور الكرملين عالمياً. لهذا، لا قيمة فعلية بالنسيبة لموسكو لعين عيسى ولآنضمامها الى المناطق المسيطر عليها من قبل الجيش السوري الحر أو غيره.

من الجهة التركية، لا يشكل ضم الأراضي التي ينشط عليها حزب العمال الكردستاني لمناطق نفوذ الجيش السوري النظامي أمراً مستفزاً أو محزناً، فجلّ ما تصبو إليه أنقرة هو تقويد الحزب المحظور تركياً. في المقابل، وفي حال تمت سيطرة تركيا ووحدات الجيش السوري الحرعلى عين عيسى فمن شأن ذلك أن يؤدي الى مكسبين، يتمثلان بسيطرة أردوغان على الحزب الكردي المحظور وعلى جسر إم-فور الإستراتيجي ذو الفائدة الإقتصادية الكبرى.

لا حلقاء وأصدقاء حقيقيين للكرد على أرض الواقع، هذا ما تثبته الوقائع، فالمأزق الكردي، على ما يبدو، ليس سوى أداة لآستحصال كل من تركيا وروسيا على مزيد من المكاسب. أنقرة وموسكو تعاونتا في ليبيا عبر دعم كل منهما لطرف في الحرب الأهلية الدائرة هناك من أجل الحفاظ على الستاتيكو في الأرض الحبلى بالنفط.  وفي حرب ناغورنو-كاراباخ، روسيا، الحليفة الأولى لأرمينيا وافقت على إتفاقية سلام تصب في صالح أذربيجان المدعومة من أنقرة حفاظاً على تعاون موسكو نفطياً مع باكو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى