تقارير

انقلاب ميانمار الغامض يذهب الديموقراطية وحقوق الروهينغا

المتهم بـ «فظائع» ضد الأقلية المسلمة مين أونغ هلاينغ يمسك الحكم

ولاء عايش

قلق وتأهب يسودان شوارع ميانمار، لا سيما العاصمة نايبيداو، بعد ساعات من استيلاء الجيش على السلطة، فجر الإثنين، واعتقال مسؤولين بارزين، أهمهم زعيمة البلاد أونغ سان سوتشي، التي كانت تستعد لإعلان انتصارها، في انتخابات أثارت جدلاً واسعاً.

وسلم الجيش السلطة إلى قائد الجيش مين أونغ هلاينغ، لتعود البلاد مجدداً إلى الحكم العسكري المباشر، بعدما اختبرت الديموقراطية نحو عقد.

في نايبيداو، هرع السكان إلى محال البقالة لتخزين المواد الغذائية رغم الحواجز العسكرية، بينما أغلقت المصارف والطرقات المؤدية إلى المطار الدولي الرئيس وقطعت الاتصالات ليعود البلد إلى عزلة خاضها منذ عقد، ويبدد أمل الشعب بعودة الديموقراطية، مع غضب في أوساط أولئك الذين شعروا بأن آمالهم بشأن مستقبل البلاد سُرقت. فقال رجل ستيني في بلدة هلاينغ بينما «الأمر مزعج جدا. لا أريد انقلابا». وتابع رافضا الإفصاح عن اسمه خشية تعرّضه لتدابير انتقامية «شهدت العديد من التحوّلات في هذا البلد وكنت أتطلع إلى مستقبل أفضل».

وأعرب مخرج الأفلام في العاصمة لامين أوو (35 عاما) عن «صدمته» رغم أنه كان يتوقع الانقلاب بعدما تم تناقل الأنباء عنه على مدى أسبوع. وتابع: «أعتقد أن علينا الاستعداد للأسوأ».

وباستثناء الشرطة، لم يكن لعناصر الأمن حضور كبير في المدن ولم ترق أي دماء. وكانت المظاهر المسلّحة والدبابات والمروحيات أكثر تجليا في الشمال.

الجيش اعتبر أن هذه الخطوة مهمة وضرورية للمحافظة على الاستقرار بعد أن ندد منذ أسابيع بتزوير الانتخابات التي جرت نوفمبر، وفازت بها الرابطة الوطنيّة من أجل الديموقراطيّة بغالبية ساحقة.

وكان القائد مين أونغ هلينغ طالب مسبقاً بإبطال الدستور الذي أقر عام 2008، وطلب تأجيل جلسة البرلمان في 1 فبراير، لكن سوتشي وزعماء الحزب رفضوا.

في المقابل، دعا الحزب الحاكم إلى مقاومة هذا الانقلاب وأي خطوة قد تعيد الدكتاتورية العسكرية، وكذلك فعلت سوتشي المعتقلة، إذ طالبت شعبها بالخروج في تظاهرات ورفض إعادة فرض الدكتاتورية.

الانقلاب الغامض

وبعيداً عن مزاعم الجيش بتزوير الانتخابات ونيته فرض الديموقراطية والاستقرار، أفادت وسائل إعلام بأن أهداف قادة الجيش ليست واضحة. فمنذ اقتسام السلطة مع المدنيين بزعامة سوتشي لم يفقد الجنرالات شيئاً يذكر من سلطتهم، كما أوضح توم أندروز مقرر حقوق الإنسان في ميانمار بالأمم المتحدة، بل تمتعوا بالسيطرة على وزارات الدفاع والداخلية وغيرهما، كما أن مصالحهم لم تتأثر قط، إضافة إلى تمتعهم بحق النقض في المسائل الدستورية.

سياسياً أيضاً استفاد الجيش من وجود حكومة لا تقل عنه تعصباً لعرقية البامار البوذية، وهكذا تم الدفاع بشراسة عن فظائعه بحق الأقليات خاصة الروهينغا المسلمة.

صحيفة «التايمز» البريطانية عنونت: «انقلاب بورما العسكري: نهاية ديموقراطية سطحية وخادعة»، كون السلطة المنتخبة ليست إلا سلطة ورقية فقط، إذ إن الجيش لم يتخلَّ عن تلك السلطة من الأساس.

مصادر إعلامية أخرى وصفت المشهد الذي استيقظ عليه البلد باللغز المحير لأسباب عدة، أبرزها أن الجيش بالفعل شريك في السلطة ويتمتع بامتيازات هائلة بموجب الاتفاق، الذي أبرموه مع سوتشي التي وقفت أحد الأيام أمام محكمة العدل الدولية ودافعت عن الجنرالات المتهمين بارتكاب فظائع بحق الروهينغا إلى حد الإبادة الجماعية، لينتهي الأمر بها معتقلة على يدهم.

وقالت نائبة عن حزب سو تشي: «هذا أمر يتجاوز الحدود… وعمل مجحف».

قلق دولي

وتوالت ردود الفعل الدولية عقب الانقلاب، واشنطن اعتبرته للالتفاف على نتائج الانتخابات الأخيرة، وطالبت بالإفراج عن المسؤولين المعتقلين، محذرة من عواقب وخيمة. جين ساكي الناطقة باسم البيت الأبيض أكدت أن الولايات المتحدة ستتخذ الإجراءات اللازمة ضد المسؤولين إذا لم يتم التراجع عن تلك الخطوات.

من جانبه، أدان أنطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة بشدة الانقلاب واعتبره ضربة للمسار والإصلاح الديموقراطي، وقال إن نقل جميع صلاحيات إدارة شؤون ميانمار ليد الجيش أمر يبعث القلق.

من جانبه، دعا شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي الجيش إلى إطلاق سراح المعتقلين بعد تنفيذ مداهمات غير قانونية، مؤكداً ضرورة إعادة تأسيس المسار الديموقراطي.

هلاينغ العسكري القوي

بعد اعتقال الزعيمة سوتشي أضحت البلاد في قبضة مين أونغ هلاينغ أقوى رجل عسكري في بورما على مدة 12 عاماً على الأقل.

الجنرال استطاع أن يبسط نفوذه في البلاد منذ تسلمه قيادة الجيش حتى اقتنص قوة ورتبة توازيان منصب نائب رئيس البلاد.

– قائد القوات المسلحة، درس القانون في جامعة يانغون من 1972 إلى 1974، ثم التحق بالأكاديمية العسكرية في عام 1974.

– تسلّم قيادة القوات المسلحة في عام 2011، ومدّد ولايته لخمس سنوات إضافية في فبراير 2016.

– عام 2019، فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات في قضية اضطهاد أقليات الروهينغا.

– تسلّم رئاسة البلاد إثر انقلاب عسكري وإعلان حالة طوارئ في الأول من فبراير 2021.

سوتشي ابنة بطل الاستقلال

أونغ سان سو تشي، سياسية وزعيمة معارضة، شغلت العديد من المناصب الحكومية منذ عام 2016 بما في ذلك منصب مستشارة الدولة، ما جعلها الرئيسة الفعلية لميانمار. نشأت وسط عائلة لها انشغالاتها السياسية، فهي ابنة الجنرال أونغ سان، بطل استقلال البلاد الذي اغتيل عندما كانت في الثانية من عمرها.

وبينما كانت تعتبر في يوم من الأيام رمزا للسلام، مثل الماهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، انهارت صورة أونغ سان سو تشي، 74 عاما، على خلفية دفاعها عن جنرالات الجيش، وأخذت تهوّن من شأن حملتهم الإجرامية ضد أقلية الروهينغا المسلمة.

– ولدت في العاصمة في يونيو 1945.

– التحقت بجامعة أكسفورد وتزوجت بالبريطاني مايكل أريس ثم عادت إلى بورما لتتكلف برعاية والدتها.

– في يوليو 1989، وضعت رهن الإقامة الجبرية واحتجزت بسبب اعتراضها على الدكتاتورية العسكرية.

– حصلت عام 1991، على جائزة نوبل للسلام لجهودها في تحقيق التغيير في بلادها سلمياً، وأصبحت أيقونة للحقوق المدنية والديموقراطية.

– أُطلقت في يوليو 1995 وفرض عليها قيود تمنعها من السفر إلى الخارج.

– فور تنصيبها زعيمة للبلاد تغيرت سياستها، وأضحت أحد رموز الاستبداد على خلفية اضطهاد أقلية الروهينغا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى