تقارير

لبنان: الأزمة النقدية تنعش العقار

السلطة تغري الأجانب بالإقامة سعياً وراء الـ «فريش دولار»

أنديرا مطر

وجد اللبناني محمد عيتاني الحل لإخراج مدخراته ومدخرات زوجته من المصارف بشراء شقة سكنية في منطقة الأشرفية عبر شيك مصرفي.

عيتاني وزوجته، في الستينيات من عمريهما وهما متقاعدان، الأول عمل استاذاً في مدرسة رسمية لمدة أربعين عاما، فيما كانت زوجته مديرة شؤون الموظفين في إحدى شركات التأمين الكبرى. وهما مثل كثير من اللبنانيين اودعا اموالهما في المصارف «ضمانة لآخرتهما» على حد قولهما.

دفع عيتاني ثمن العقار 400 الف دولار أو «لولار» حسب التسمية اللبنانية الرائجة للدولار القديم، وروى لـ القبس ان البائع أخبره لحظة تسلمه الشيك المصرفي أنه سيذهب فوراً لبيعه بـ 130 ألف دولار كاش او «طازج».

شهد القطاع العقاري في لبنان نشاطاً مفاجئا بعد اندلاع الأزمة المالية مطلع 2020. وشكل ملاذاً آمنا للبنانيين بعد انهيار القطاع المصرفي، وحالة الفوضى الاقتصادية غير المسبوقة التي عصفت بالبلاد.

واتجهت شريحة كبيرة من المودعين في المصارف إلى تحويل أموالهم لسوق العقارات، وسط مخاوف من احتمال اقتطاع أو تبديد ودائعهم. فتوظيف المال في العقار يبقى أكثر أمانا من ابقائه في المصارف المفلسة. و«العقار أذكى استثمار» بحسب شعار رفعته إحدى الشركات العقارية التي ازدهر نشاطها في السنتين الاخيرتين.

وفق خبراء، سجل القطاع العقاري نمواً تخطى الـ%50 عن السنوات السابقة. وخلال العام الفائت، تم تحويل ما لا يقل عن ملياري دولار من المصارف إلى قطاع العقارات.

في مقابل اقبال اللبنانيين على الاستثمار العقاري، تراجع استثمار الخليجيين في هذا القطاع.

وهذا التراجع بدأ مع اندلاع الحرب السورية واستمر بفعل التوترات الأمنية والسياسية اللبنانية المتواصلة، ما أدى الى بيع بعض الخليجيين عقاراتهم في لبنان.

عمدت المنظومة الحاكمة الى استثمار هذا النمو العقاري الملحوظ لجذب الأموال العربية والأجنبية من جديد. ولجأت الى تضمين موازنة عام 2021، مادة تنص على منح «كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان، إقامة طوال مدة ملكيته، له ولزوجته وأولاده القاصرين في لبنان».

لكن حصول الأجنبي على الإقامة يشترط «الّا يقل سعر الشقة القائمة ضمن محافظة بيروت عن 350 ألف دولار، و200 الف للوحدة السكنية القائمة في سائر المحافظات»، علماً بأن النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، غير مشمولين بأي صفة من صفات مستحقي الاستثمار، حيث بررت المنظومة الحاكمة ذلك بذريعة «التأكيد على ضرورة توفير شروط العودة الى أوطانهم».

اللافت أيضا، ان المادة 95 من مشروع الموازنة تنص «على أن يتم تسديد ثمن الوحدة السكنية بموجب تحويل مصرفي من أحد المصارف العاملة خارج لبنان إلى أحد المصارف العاملة في لبنان». ما يعني الزام الشاري دفع دولارات طازجة وسط شكوك بعدم اقدام المستثمرين على وضع أموالهم من جديد في المصارف في ظل تراجع الثقة بالنظام المصرفي.

حصة المصارف

الصحافي الاقتصادي خضر حسان رأى ان المنظومة الحاكمة لا تتخذ قرارا لا تضمن فيه حصة المصارف. وهي تعتقد من خلال هذا الشرط انها ستعيد ضخ الدولارات في خزائن المصارف. لكن السلطتين السياسية والمصرفية تعرفان «أن هذه الحيلة ليست سوى تلميع لصورة المصارف التي تبدَّلَت إلى غير رجعة. ولا تعيد حركة الدولارات الترانزيت، الثقة بالقطاع المصرفي».

دول عدة تمنح الإقامة فيها في مقابل شراء عقار بهدف جذب الاستثمارات ولكن المستثمرين في الغالب يسعون الى التملك في بلد يوفر لهم فرصا لتطوير أعمالهم، ويقدم لهم خدمات إدارية ويمتلك بنى تحتية تسهّل حياة الأفراد والمؤسسات. فما الذي يملكه لبنان من كل هذا؟ لا بنى تحتية تسهل عمل الشركات، ولا قوانين إدارية لانشاء الشركات او اعلان افلاسها، ناهيك عن معدّلات فساد إداري مرتفعة جداً لا تخدم إلا الباحثين عن غطاء لأعمال غير مشروعة. بحسب خضر حسان.

إضافة الى غياب هذه الاغراءات، فإن المستثمرين الأجانب لا يزالون «ملدوعين» ويبحثون عن فرصة لإخراج أموالهم من لبنان.

اما تحديد المبلغ المشروط لمنح الإقامة بـ 350 ألف دولار فهو مبالغ به، اذ ان مبلغا كهذا يخول مالكه شراء عقار في وسط مدينة اسطنبول أو أثينا، وضمن نطاق جغرافي من الأرقى والأغلى ثمنا في العاصمتين.

أما حصول الزوجة والأولاد القاصرين على الإقامة اللبنانية، فيجده خضر مضحكاً. فاليونان تقدّم إقامة لمالك العقار وسائر أفراد أسرته، بالاضافة الى والديه ووالديّ زوجته، بمجرّد شراء عقار بقيمة 250 ألف دولار. ويخلص الكاتب الاقتصادي الى ان هذا المشروع في حال اقراره سيشكل فرصة لأصحاب الأموال المشبوهة، ممن يحتاجون جنّة ضريبية وخزنة مغلقة بمفتاح السرية المصرفية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى