مسارات صعبة تتنظر علاقة أنقرة بواشنطن في ولاية بايدن

علي حمدان –
عادةً ما يقوم الرؤساء الأميركيون بصوغ أجنداتهم السياسية، لا سيما الخارجية منها، خلال أشهرٍ قليلة بعيد دخولهم البيت الأبيض.
وفي سياق التحضير لسياساته الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط، سيتطرق بايدن إلى العلاقات مع تركيا والتي تنتظرها مسارات صعبة، لا سيما أن تحسين التواصل معها سيؤدي إلى تدعيم مصالح واشنطن ولندن وعواصم أوروبية وغربية أخرى، بحسب المقالة التي نشرها سينان أولغين، الباحث في كارنيغي أوروبا.
ضغوطات كثيرة
وشهدت العلاقات الأميركية التركية خلال السنوات العشر الماضية كثير من الضغوطات على الأخيرة من قبل واشنطن وسائر حلفائها الغربيين، ووصلت الأمور في مراحل كثيرة إلى حد الطلاق.
التردي في العلاقات الغربية التركية وليد سوء إدارة حكومة أنقرة لصعودها من جهة، وسوء تلقف الغرب لها من جهة أخرى.
راكمت تركيا على مدى السنوات الماضية الكثير من القوة، بدءاً بدخلها الوطني الذي لامس 800 مليار دولار، والذي عزز عضويتها في مجموعة دول العشرين، مروراً بكونها ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي، وتعاظم قطاع الصناعات الدفاعية وصادراتها من الطائرات المسيرة وغيرها، بالإضافة إلى احتلالها المرتبة السادسة عالمياً على لائحة الدول الفاعلة ديبلوماسياَ، أي في مرتبةٍ متقدمة على ألمانيا، كما تعتبر أنقرة الأولى من حيث دعمها الإنساني للاجئين السوريين وتمويلها لمشاريع إنسانية في الصومال وأفغانستان وغيرها.
تركيا استثمرت صعودها سلبياً
في هذا السياق تتهم عواصم غربية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالجنوح نحو الحدّية بدلاً من استخدام الدبلوماسية والخطاب الهادئ والجاذب من أجل التعبير عن صعود بلاده، كما يرى الغرب بأن القيادة التركية قامت باستثمار صعودها سلبياً على مستوى السياسات الدخلية لا سيما لجهة تقزيم حكم القانون والديمقراطية والحريات في أنقرة.
في المقابل يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن اتهامه بتقويض حكم القانون وغيره، يشكل وجهاً من أوجه الحصار الذي يفرضه الغرب على بلاده، وعدم اعترافه بسلمية تطور تركيا وصعودها على مختلف الأصعدة.
سلوك حلفاء تركيا الغربيين تجاهها، أدى إلى انعدام التواصل الإيجابي بين الطرفين، فتعليق بروكسل لعملية دمج تركيا بالاتحاد الأوروبي، أدى إلى خسارتها لتأثيرها على صناعة السياسات العامة في أنقرة، ودعم الولايات المتحدة الأميركية للأكراد في سوريا لمواجهة تنظيم داعش دفع بعلاقاتها مع الأتراك نحو مزيدٍ من التدهور.
تدهور علاقة تركيا بحلفائها رغم حفاظها على عضويتها في حلف شمال الأطلسي يتمثل بفرض إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في ديسمبر الماضي للعقوبات عليها وبالتحديد على وكالة الصناعات الدفاعية التركية على خلفية شراء الأخيرة لمنظومة صواريخ s400 الروسية، أعقبها تلويح الإتحاد الأوروبي بفرض المزيد من العقوبات ضد حليفته اللدودة بسبب تنقيب الأخيرة عن الغاز في المياه الإقليمية اليونانية والقبرصية بطريقة غير شرعية.
في ضوء ما ذكر يتحتم على إدارة الرئيس الأميركي الجديد إبرام صفقة نوعية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل إنقاذ العلاقات مع أنقرة، وفشل البيت الأبيض في التوصل لهكذا إتفاق من شأنه الدفع بتركيا نحو إعادة تموضعها وإستبدال توجهاتها السياسية الغربية بتموضع استراتيجي جديد إلى جانب موسكو.
نقاط مشتركة
ثمة نقاط مشتركة كثيرة قد تجمع الرئيس بايدن بالرئيس التركي، فإصلاح العلاقة مع أنقرة سيؤدي إلى تعزيز مكانة حلف شمال الأطلسي، و إعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران قد يولد تعاوناً مثمراً مع أنقرة، والعمل المشترك مع الأخيرة من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا وتحاشي تعاظم النفوذ العسكري الروسي فيها، يعتبر هدفاً مشتركاً للطرفين.
عقبات عديدة تعترض طريق إتمام صفقة شاملة بين أنقرة وواشنطن، وعلى الطرفين التنازل من أجل تسهيل ولادتها، وخارطة الطريق الناجحة نحو ذلك تبدأ بتعليق دعم الولايات المتحدة الأميركية للفصائل الكردية في سوريا، و الموافقة على تفعيل تركيا لمنظومة s400 الصاروخية الروسية، ورفع العقوبات المفروضة عليها، وإعادة إشراكها في برنامج مقاتلات f 35 الحربية الأميركية.
على صعيدٍ آخر يتحتم على الولايات المتحدة إشراك تركيا في أي مفاوضات مقبلة مع إيران فيما يخص الإتفاق النووي، كما يتحتم على القيادة التركية العمل على التخفيف من مشاعر العداء لأميركا وللغرب في صفوف الأتراك.
قد تبدو الأمور أعلاه طموحة بعض الشيء، لكنها ضرورية من أجل مواجهة التحديات المحدقة بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتأثير على النظام السياسي الآخذ بالتشكل في المنطقة، وفقاً لمركز كارنيغي.