بعد البريكست.. أوروبا تمضي قدمًا

جان ماري توما-
نهاية عصر ولكن بداية آخر. بعد 47 عامًا من التعاون، وفي نهاية الفترة الانتقالية، تستعدّ المملكة المتحدة، لمغادرة الاتحاد الأوروبي نهائيًّا.
كان الإنفصال التاريخي متوقّعًا على نطاق واسع، لأنه يأتي بعد أكثر من أربع سنوات من الاستفتاء الذي قرّر فيه البريطانيون بأغلبية 52٪ تقريبًا، الإبحار والإبتعاد عن الإتّحاد.
هذا الحدث شكّل صدمة نفسيّة كبيرة في الاتحاد الأوروبي، الذي لم يجرؤ أحد من أعضائه، حتى ذلك الحين، على مغادرته.
لكن خلال هذه السنوات الأربع، تغيرت العقول في أوروبا. في بداية الأمر، شعر الأوروبيّون بصدمة أمام مواجهة انفصال أحد أقوى الأعضاء، وكَثرت المناشدات الموجّهة للندن من أجل تغيير رأيها، ولكن اليوم فقد تغيّرت النغمة.
خُلِقَ هذا الموقف الجديد للإتحاد الأوروبي بعد المفاوضَتَين القاسيتَين مع لندن، عندما طُرحت شروط الإنفصال أولاً، ثم شروط العلاقة المستقبلية. كما أنّ الاتحاد الأوروبي قرّر العمل على أساس قول أنغيلا ميركل: يجب على الإتحاد الأوروبي أن «يقرّر بنفسه مصيره»، بدلاً من الوقوع إلى الأبد في فوضة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح فعلًا من الماضي.
في الواقع، طوى الاتحاد الأوروبي الصفحة بالفعل في عملياته اليوميّة. المكان الذي تركه البريطانيون شاغرًا في المؤسسات الأوروبية استحوذت عليه هولندا جزئيًا. وتم تشكيل محور من البلدان، التي نصبت نفسها «مقتصدة»، وقادرة على التأثير بشكل كبير في المفاوضات الأوروبية، وفق ما ورد في موقع «لي إيكو» الفرنسي.
أكثر من مجرّد سوق
بعد فترة من التردّد، توطّدت علاقة الثنائي الفرنسي-الألماني. فمنذ فترة طويلة، لم يرَ العالم هذه الدينامكيّة بين فرنسا وألمانيا. أبرز مثل عن هذا التطوّر، ظهر في يوليو الماضي، عندما دعت مبادرة ألمانيّة-فرنسية، الأعضاء الـ27 إلى وضع خطة تحفيز تاريخيّة.
الإستقلال الإستراتيجي
بادرة أخرى تشير إلى عزم الاتحاد الأوروبي على تجاوز وضع السوق البسيط، ليصبح فاعلًا سياسيًا حقيقيًا: فقد تجذّرت المناقشات حول مفهوم الاستقلال الاستراتيجي في الريف، في بروكسل وفي العواصم. لا يزال بعيدًا عن الموافقة الجماعيّة، ولكن هذا التفكير يرافقه طموح دفاعي. يتضح هذا من خلال إطلاق صندوق الدفاع الأوروبي الذي سيحشد، للمرّة الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي، الأموال الأوروبية للمشاركة في تمويل التعاون بين الشركات الأوروبية في مجال الدفاع.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحّد الأعضاء أكثر من أي وقت مضى
أوّلًا وقبل أي شيء، الضروريات التاريخية هي التي تدفع الأوروبيين لبدء هذا التغيير: مواجهة عدم استقرار عالمي متزايد، وجود تنافس صيني أميركي متوتّر بشكل تصاعدي، وانتشار وباء بوتيرة غير مسبوقة. لكن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، كان مُيَسِّرًا لأوروبا، بمعنى ما. ليس فقط من خلال إعفاء الاتحاد الأوروبي، من بلدٍ معارضٍ تقليديًا للطموحات السياسية الأوروبية. ولكن أيضًا من خلال إثارة مفاوضات أثبتت أنها موحِّدة للأعضاء، وهذا ما أدهش الأوروبيين أنفسهم. اكتشفوا أن ما وحّدهم كان أقوى من الذي عارضهم. من خلال خروجها، تترك بريطانيا، اتحادًا أقل قوة من الناحية الحسابية، ولكن أكثر تماسكًا.