هل لقمان سليم هو جزء من أجندة تصفيات؟

جان ماري توما-
يستيقظ اللبنانيّون يوميًّا على خبرٍ مفجع، لم يعد المواطن يعلم من أين تأتي الضربات: من الإقتصاد المهترئ، السياسة الفاسدة، الأخبار الصحيّة المقلقة أم من الإهتزازات الأمنيّة؟
صباح الخميس، نقلت وسائل الإعلام اللبنانيّة خبر اغتيال الناشط والمحلّل السياسي لقمان سليم، المعادي بأرائه لسياسة حزب الله.
بعد إختفائه ليل أمس، وُجِدَ المغدور في سيارته في منطقة النبطيّة-جنوب لبنان، مقتولًا بثلاث رصاصات خرقت رأسه وظهره.
وكان قد تعرّض سليم للكثير من التهديدات بالقتل في مسيرته، بعد كل مقابلة أو رأي صريح.
هل اغتيال سليم هو جزء من أجندة تصفيات؟
اغتيال الناشط والباحث اللبناني لقمان سليم أعاد إلى الأذهان مشهد قتل الشاب جو بجاني في 21 ديسمبر 2020: سلاح كاتم صوت، غدر الضحيّة في سيارته.
يقال أنّ المصوّر بجاني قُتِلَ بسبب المعلومات التي يعرفها عن تفجير مرفأ بيروت. كونه كان من بين أوّل الحاضرين إلى مسرح الكارثة وأخذ بعدسة كاميرته صورًا مهمّة، بإمكانها ربّما أن تدين طرف معيّن.
أمّا لقمان سليم، يُعرَف بجرأته، بصلابة موقفه ومعاداته لسلاح حزب الله «غير الشرعي» على الأراضي اللبنانيّة.
وفي آخر لقاء إعلامي له، أطلّ عبر شاشة «الحدث» وتطرّق إلى التحقيق في انفجار بيروت، وشدّد على أنّ لبنان أمام جريمة حرب أطرافها: سوريا، بيروت وموسكو، كما وجّه اصبع الإتّهام بكلمات واضحة إلى حزب الله.
البعض ينظر للقضيّتين على النحو التالي: في حوزة بجاني صورة أو معلومة وفي حوزة سليم صوت حرّ متمثّل بكلمة لاذعة. الذخيرتان تحملان تهديدًا لمن يرى أنّ الحقيقة ليست من مصلحته.
مع مقتل سليم، أصبح المجتمع اللبناني شبه متأكّد أنّ ما يحصل من خرق للأمن هو سلسلة إغتيالات وليس حوادث فرديّة.
فبعد انفجار مرفأ بيروت بأربعة أشهر، قُتِلَ العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي، بعد أن تعرّض للضرب بآلة حادة على رأسه. وهناك من يقول أنّ أبو رجيلي اغتيل بهدف طمس الحقيقة وتضليل التحقيق الخاص بانفجار المرفأ.
وإن عدنا إلى سنة 2017، سنلاحظ أنّ العقيد المتقاعد في الجمارك جوزف سكاف توفّيَ بظروف غامضة في موقف سكنه. في وقتها أسباب الجريمة لم تعرف ولكن بعد انفجار المرفأ، كُشِفَ المستور: كتب العقيد جوزيف نقولا سكاف، رسالة في فبراير 2014 إلى «مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب» التابعة لوزارة المالية، نجد صورتها أدناه، وطالب فيها بإبعاد الباخرة «Rhosus» المحمل على متنها 2750 طنا من «نترات الأمونيوم» إلى خارج الرصيف 11 في مرفأ بيروت، وطالب بوضعها تحت الرقابة.
إليكم الدوامة التي يهرول بها اللبنانيّون
في الحقبة الأخيرة المقتظّة بالكوارث في لبنان، أصبح البلد يسير على النحو التالي:
فساد وحشي يليه صرخة حرّة أو تحرّك ثورجي، يليه اغتيال، يَخلق بعده بطبيعة الحال تحقيق قضائي ولكن يتّصف من قبل اللبنانيّين بالفشل ويترافق مع تعيتيم على الحقيقة، ثمّ يأتي دور ضخّ مصائب اقتصاديّة واجتماعيّة مع رفع سعر الدولار، فينشغل الشعب بالهموم… ومن ثمّ تعاد الكرّة.
ردّة فعل المجتمع اللبناني
كل ما يمكن أن يقرأ اليوم من ردّات فعل تصبّ في خانة الإستهجان. ندخل «تويتر»، نرى أنّ البعض يعيد نشر مقاطع للقاءات إعلاميّة خاصة بلقمان سليم، بهدف تأكيد مزدوج: تأكيدًا على حديثه ذات النبرة العالية الحرّة وتأكيدًا أنّ من قتله يرتعب من الحقيقة…فيُرهب.
البعض الآخر يرى أنّ ما يحصل في لبنان هو نسخة عن أفعال السلطات الإيرانيّة، وتطبّق في لبنان عن طريق حزب الله.
كما أنّ هناك من يؤكّد أنّ معرفة هويّة القتلة ليس واردًا، معبّرين عن عدم ثقتهم بالقضاء اللبناني. وأشار البعض أنّ التحقيق سيلقى مصيرًا مشابهًا لمصير تحقيق مرفأ بيروت: المماطلة والتعتيم.
أمّا أنصار حزب الله فالتزمت الصمت رغم كلّ الإتّهامات الموجّهة.
في وقتٍ يستنكر فيه المسؤولون اغتيال لقمان سليم والتأكيد على أنّ التحقيق قد انطلق، الشعب اللبناني يعلن مرارًا وتكرارًا أنّ ثقته انعدمت بسلطة «نيترات الأمونيوم».
في 4 فبراير، أُسكِتَ صوت لقمان سليم وعلت فيه أصوات اللبنانيّين محتجّين على الجريمة ورافعين سقف الحريّة، عبر تغريداتهم ولافتاتهم أمام قصر العدل-بيروت.