تقارير

اغتيال معارض لحزب الله.. هل عاد مسلسل القتل؟

قلق من استجلاب السيناريو العراقي ولعبة «كواتم الصوت»

بيروت – أنديرا مطر

حالة من الصدمة والغضب خلّفها اغتيال الكاتب والباحث اللبناني لقمان سليم، المعارض لحزب الله، وسط تجدد المخاوف من عودة مسلسل الاغتيالات، الذي يلوح مع كل انسداد سياسي، في حين اعتبر معارضون للمنظومة الحاكمة ان الجهة التي اغتالت سليم تستنسخ السيناريو العراقي في تصفية الناشطين.

فبعد ساعات على اختفائه مساء الأربعاء، عثر على سليم مقتولاً في سيارته في بلدة العدوسية في منطقة الزهراني جنوبي لبنان. وحسب المعلومات الأمنية اغتيل سليم بأربع رصاصات في الرأس، وأخرى في العنق والظهر، وهو ما يذكر بأسلوب الاغتيالات التي كانت تنفذ في لبنان، في أواخر الحرب الأهلية.

القاتل معروف

وفي أول تعليق لها على اغتيال شقيقها، قالت رشا الأمير إنها «لا تتّهم أحداً في الاغتيال لكن القاتل معروف، وهو من يسيطر على المنطقة التي قُتل بها لقمان».

وذكّرت رشا بالتهديدات التي تعرّض لها شقيقها في منزله، معتبرةً أنّ من هدّده ضالع في قتله.

وحول التحقيقات والقضاء، قالت إنّ «القوى الأمنية تكاسلت في الاستجابة لشكاوى التهديد، وتقاعست عن حمايته رغم التهديدات التي مسّت سلامته على مدى أكثر من عام».

تحريض إعلامي وحزبي

ويأتي مقتل سليم بعد سلسلة تهديدات كان تعرّض لها في الأشهر الأخيرة، لمواقفه الاعتراضية تجاه حزب الله. فعلى مدى سنوات دأب مقربون من الحزب، وكذلك صحف تدور في فلكه، على التحريض على مجموعة من المثقفين الشيعة، مخصصين لقمان سليم بالحصة الأكبر من التخوين، حيث يتهمونه بالعمالة للكيان الصهيوني حيناً وبـ«شيعة السفارة» حيناً آخر.

ورغم تعرّض منزله ومكتبه في الضاحية الجنوبية لاعتداءات متكرّرة، إلا أنه رفض الخروج من المنطقة الواقعة ضمن نفوذ حزب الله ومربّعاته الأمنية. ووقع اغتياله في منطقة أمنية تحت سيطرة الحزب وإشرافه.

والحديث عن عودة مسلسل الاغتيالات الى لبنان بدأ في أواخر العام الماضي، مع ذروة التأزم السياسي، وكشف بعض السياسيين أنهم تلقوا نصائح من مصادر أمنية بوجوب أخذ الحذر في تنقّلاتهم.

لا ينتمي سليم إلى المنظومة السياسية، وهو باحث وناشط معروف بمعارضته الشرسة لحزب الله، وبديناميته وجرأته في التعبير عن مواقفه، سواء في الندوات الحوارية أو على المنابر الإعلامية.

عمل على جمع شتات ذاكرة الحرب اللبنانية من خلال مركز «أمم للأبحاث والتوثيق»، الذي أسسه، كما اهتم بملفات المخفيين قسراً خلال الحرب، ونظّم لأجل ذلك معارض وندوات ثقافية.

اغتيال سليم يذكر باغتيال مهدي عامل وسليم اللوزي وسمير قصير، وسواهم من صنّاع الرأي العام.

جواد نصرالله يغرد ويتراجع

وفور شيوع نبأ اغتيال سليم، توجهت الأنظار نحو حزب الله. وندد عدد كبير من الإعلاميين والناشطين بالجريمة المروعة، محمّلين الحزب مسؤولية قتل سليم.

وبعد دقائق من الاغتيال، غرد جواد نصرالله، نجل حسن نصرالله، كاتباً: «خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب»، مرفقاً تغريدته بوسم «بلا أسف».

وبعد البلبلة التي أحدثتها تغريدته، عمد إلى حذفها «كي لا يفهمها البعض على ذوقه» على حد قوله.

في موازاة ذلك، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات الجريمة، مشدداً على ضرورة الإسراع في التحقيق، لجلاء الظروف التي أدت إلى وقوعها والجهات التي تقف وراءها.

من جانبه، كلّف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وزير الداخلية محمد فهمي «بالإيعاز إلى الأجهزة الأمنية للإسراع في تحقيقاتها وملاحقة الفاعلين والقبض عليهم»، في وقت دعا «التيار الوطني الحر» إلى عدم استغلال هذه الجريمة لإثارة الفتنة والاستثمار السياسي.

في المقابل، استنكرت القوى والأحزاب كلّها، معارضة أم صديقة لسليم، الجريمة، مؤكدة أن اغتياله رسالة لكل الناشطين السياسيين الذين يعبّرون عن أفكارهم خارج المدار ‏السياسي لحزب الله.

القاتل مأزوم

ورداً على الدعوات إلى «انتظار نتائج التحقيق» وعدم التسرّع في الاستنتاجات، علق مصدر سياسي: «لا داعي لانتظار التحقيق، فلا ثقة بالسلطة التي ترتهن للقاتل»، متسائلاً: «أين أصبح التحقيق في اغتيال الشهيد هاشم السلمان؟ وهل تم توقيف القاتل المعروف؟».

واعتبر أن «القاتل معروف في شكل الجريمة وأسلوبها. وهذا القاتل يعبر عن أزمة يعيشها، خارجياً في تقليص نفوذه التوسعي. وداخلياً في مواجهة موجة معارضة متنامية في قلب بيئته».

وقال مراقبون إن 5 رصاصات كانت كافية لإيصال رسالة إلى مئات المعارضين لحزب الله والسلطة الحالية بأن الرأي الآخر وتسمية الأمور بأسمائها أمران غير مرغوب بهما، مشيرين إلى أن من تجرأ على اغتيال سليم بالتأكيد لديه لائحة بأسماء معارضين آخرين، وهو يتحين الفرصة لإسكاتهم بالطريقة نفسها، بعد أن يتم تخوين هؤلاء في البداية، تمهيداً لتنفيذ الإعدام الميداني بهم.

سليم هو ابن النائب والحقوقي الراحل محسن سليم، الذي كان في الكتلة الوطنية، مع العميد ريمون إده، ومن أشد المناضلين في سبيل حقوق الإنسان والدفاع عن الشرعية والدستور.

وكأبيه، رفع لقمان الصوت منذ سنوات، داعياً الشيعة إلى التحرُّرِ، والانخراط في النسيج اللبناني والعربي، وتحييد لبنان عن كل الصراعات، وهو مطلب ينادي به جميع حاملي لواء الاستقلال من مختلف الطوائف.

فاتورة صمت الكثيرين

صديق سليم، الأستاذ الجامعي مكرم رباح، قال إن «لقمان تعرض لاغتيال معنوي وجسدي منذ فترة طويلة. ولا يمكن فصل اغتياله اليوم عن مناخٍ مهَّد له حزب الله والطبقة السياسية».

وفي تصريح لـ القبس، اعتبر رباح أن «اغتيال لقمان هو اغتيال لكل الشعب، بأطيافه وتوجهاته كافة. الشخص الصامت كما الشجاع لا مكان لهما في لبنان. الأول كان ضحية انفجار مرفأ بيروت من دون ان يكون له أي علاقة بالسياسة، ودفع فاتورة صمته، والثاني مثل لقمان تجرأ على رفع الصوت، وقُتل أيضاً».

وأضاف: «هذا يثبت أن أنظمة القتل والمخابرات لا يمكن ان تتعاطى السياسة، فهي تتقن فقط القتل والتخوين».

ووفق الأستاذ الجامعي، «دفع لقمان فاتورة صمت وجبن الكثير من اللبنانيين، ممن يصدقون أن هناك إمكانية للحوار مع حزب الله وهذه المنظومة الفاسدة».

الصحافي المعارض لحزب الله علي الأمين ندّد بما أسماه «جريمة كبرى أسلوب ارتكابها مؤشر لانطلاق مسار من التردّي الأمني، الذي ينذر بمخاطر عدة».

أما الصحافي محمد بركات فقد طالب بـ«حماية دولية وعربية للبنان، لأن ما حدث هو مؤشر بدء سلسلة اغتيالات هذه أولها»، مضيفاً: «نحن ذاهبون إلى سيناريو عراقي حافل بجرائم ضد الناشطين، على نسق تهديدات تواصلها الجهة السياسية التي يعارضها لقمان، مفادها: سنقتلكم في أسرّتكم…وتحسّسوا رقابكم».

في المقابل، يعتبر الكاتب والصحافي قاسم قصير، المقرب من حزب الله، أنّه من المبكر إطلاق الاستنتاجات، مؤكدًا أن «اغتيال سليم جريمة مدانة مستنكرة»

مقلد: المجرم لا يخفي هويته

من جهتها، قالت الصحافية ديانا مقلد، التي تُستهدف غالباً من قبل الجيش الإلكتروني لحزب الله، ومن قبل إعلامييه، بسبب مواقفها من سياسة الحزب: «نعيش في بلد يحكمه مجرمون وقتلة وفاسدون»، لافتة إلى أن «مرتكب جريمة لقمان لا يخفي هويته. وكأن بحزب الله يقولها علناً: خوّناه لسنوات عبر إعلامنا وكتبتنا، وهددناه، وها نحن قتلناه في عقر دارنا».

يان كوبيتش: لتحقيق لا يتبع نمط انفجار المرفأ

تعليقاً على اغتيال لقمان سليم، أعرب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش عن انزعاجه «من الخسارة المأساوية للقمان سليم الناشط والصحافي المحترم، والصوت المستقل الصادق الشجاع».

وطلب من السلطات «التحقيق في هذه المأساة بشكل سريع وشفاف، واستخلاص النتائج اللازمة»، مردفاً: «يجب ألا يتبع هذا التحقيق نمط التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، الذي بقي بعد ستة أشهر غير حاسم، ومن دون محاسبة. يجب أن يعرف الناس الحقيقة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى