الشرق الأوسط

قآني الذي لن يكون كسليماني

اغتيالُ معلّمه وتحولات المنطقة حمّلاه عبئاً ثقيلاً

خالد جان سيز
هدّد بقتل الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً، كما هدد بقتل مسؤولين أميركيين آخرين، بينهم وزيرا الخارجية والدفاع، ورئيس المخابرات المركزية، انتقاماً لاغتيال اللواء قاسم لسيماني، القائد السابق لـ «فيلق القدس»، التابع للحرس الثوري الإيراني،وأبي مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» في العراق، بطائرة أميركية مسيّرة، قرب مطار بغداد في 3 يناير 2020.
أحدث تصريحات إسماعيل قآني القائد الحالي لـ «فيلق القدس»، وخليفة سليماني، يشي بالكثير عن شخصية ذلك الرجل، وطبيعة تفكيره، ويعكس الفرق الواضح بينه وبين معلّمه السابق سليماني.
ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال سليماني والمهندس، جاء تهديد قآني، المبالغ فيه جداً، ليسلّط الضوء على افتقاره للأدوات، كما رَبَط قآني «الهدف الرئيس» للانتقام بغاية أصعب منالاً هي «انسحاب القوات الأميركية من المنطقة».
أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، شارك قآني سليماني القتال، لكنه لم يظهر الكفاءة العسكرية اللازمة، وهو يتحمل مسؤولية هزيمة نكراء حلّت بقواته حينها في عمليات «بيت المقدس» في منطقة مجنون صيف عام 1988.
ومع ذلك الفشل المبكر، فوجئ الإيرانيون بتعيين قآني قائداً للقوات البرية للحرس الثوري، ويقال إن العلاقة الشخصية التي ربطته بخامنئي، لأن الرجلين ولدا في مشهد، ساعدت في تعزيز مكانته، وليس كفاءته العسكرية.
قآني قمع انتفاضة محافظة كلستان التي قام بها التركمان واليساريون وغيرهم. وكذلك الأكراد في محافظة كردستان، فكانت خبرته أولاً في التعامل مع ظواهر التمرد أكثر من مواجهة الجيوش النظامية.
مسار ابن مشهد يتسم بالحذر الدائم، وربما التردد، ليس فقط خلال توليه مهامه القليلة، بل منذ اندلاع ثورة الخميني. فقآني، وعلى عكس رفاقه القياديين اليوم، لم ينخرط في صفوف الثورة على الفور، بل بقي عاما كاملًا ينتظر ويراقب.
بعد الحرب العراقية – الإيرانية، أرسل قآني إلى خراسان لمكافحة المخدرات والسيطرة على المنطقة القريبة من أفغانستان، الأمر الذي أكسبه خبرة في التعامل مع الأفغان وتركيبتهم السكانية، وليقوم بدور ضد حركة «طالبان» في التسعينات.

منهجية الاستمرار
مهمة سليماني كانت نشر المشروع الإيراني، لكن ما طُلب من قآني – بحكم تدهور الأوضاع الآن – هو قيادة «فيلق القدس» بمنهجية تعكس الضرورات، بغض النظر عن استقرار النتائج.
وكانت تلك السياسة تقوم على خلق حلقات من النفوذ التي تتوسع وتتقلص تبعاً للتطورات الإقليمية والدولية، من دون أن تكون لها مآلات نهائية، لكن التحولات التي تشهدها المنطقة تفرض عليه بالضرورة تغيير قآني لإستراتيجياته، وهو ما يعد من أكثر الإجراءات صعوبة، فإما مواجهة الحلفاء قبل الخصوم ومواصلة مشوار الإخفاقات العسكرية خارج الحدود، أو القبول بتغيير السلوك والعودة إلى ما وراء الحدود، ما يعني تغييراً بنيوياً في سلوك إيران قد يقوّض نظامها في الداخل.

مميزات وعيوب
في حديثها عن الرجلَين، سليماني وقآني، ترى إسرائيل أن قآني «لا يتمتع بهيبة سلفه، واضطر إلى الحصول على تأشيرة من أجل زيارة عناصر الميليشيات التابعة لفيلق (القدس) الذي يتزعمه».
وتقول صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن قآني عندما وصل «تسبب لهم بخيبة أمل، وبدلاً من أن يحمل معه رزماً من الدولارات كما كان يفعل سليماني، حمل معه خواتم فضية للقادة».
وتضيف أن قآني «لم ينجح في تشغيل وكلاء إيران في العراق وفي أماكن أُخرى بالفعالية نفسها التي كانت لسلفه»، وفق الدوائر الإستراتيجية والأمنية الإسرائيلية.
وترى تل أبيب أن «سليماني كان إستراتيجياً وتكتيكياً، ذا أفكار خارجة عن المألوف، وقدرة كبيرة على تنفيذها وتسويقها على الأرض».
تقول بعض القيادات العراقية: «قاسم سليماني كان يتحدث العربية ويفهمها، وقآني لا يتكلمها، ويزور العراق مع مرافق، ويأتي بهيئة ضيف، عكس سليماني، الذي كان لديه علاقات متينة مع الفصائل والمقاتلين على الأرض، ولديه علاقات مع نواب».
يبدو أن الحظ عاكس قآني، فما أحدثه اغتيال جنرال إيران الأول من صدمة كبيرة داخل إيران ولدى كل ميليشياتها في المنطقة كان حملاً ثقيلاً على قآني، وكذلك ما تبع الاغتيال من أحداث زادت مهمته تعقيداً، كان المشروع الإيراني يتهاوى في لبنان، حيث يواجه حزب الله فشلاً ذريعا في البقاء قوة منفلتة خارج الدولة، وفي سوريا حيث كان الفشل الإيراني أكثر بروزا وفداحة، وكان مؤشره الدائم صعود الدور الروسي البديل، وكذلك في العراق مع إحراق المتظاهرين صور سليماني.
وضاعفت العقوبات الأميركية المشددة و«كورونا» أوجاع إيران وقطعت شرايينها المالية، واليوم، يظهر التفوق النوعي للولايات المتحدة وحلفائها على إيران، حيث أرسلت أخيراً أسلحة نوعية كالغواصة النووية وسفن الصواريخ وجولات تحليقية للقاذفة الإستراتيجية «بي – 52»، مستعرضة قوتها أمام سواحل إيران، في وقت لم يجد قآني، الذي يمتلك أذرعاً في المنطقة وإمكانات تحت تصرفه سوى الشعارات والتهديدات الجوفاء.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى