ليبيا: السلطة الانتقالية أمام ملفات شائكة ومعقدة
عليها تطبيق وقف النار وتوفير الخدمات وإطلاق المصالحة

محرر الشؤون الدولية-
يترقب العالم العربي والغربي السمار السياسي في ليبيا بعد انتخاب رئيس جديد للمجلس الرئاسي ورئيس حكومة جديدة يعد جولات من المفاوضات السياسية بين البرلمان وحكومة الوفاق الوطني في طرابلس توجت بـ«ملتقى حوار ليبيا» بقيادة الأمم المتحدة في جنيف.
وقد أبدى الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر ترحيبه بنتائج ملتقى الحوار الذي عقد في جنيف، وتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة، متعهداً بمساعدتها وتسهيل مهامها بغية الوصول إلى موعد الانتخابات المتفق عليه في ديسمبر المقبل، داعياً الجميع إلى دعم السلطة الجديدة وتسهيل مهامها، والتكاتف لإنجاح خارطة الطريق، ومثنياً على دور المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز على الجهود التي بذلتها بغية التوصل إلى تلك النتيجة.
في المقابل اشترطت الحكومة المؤقتة في بنغازي اعتماد الحكومة الجديدة من البرلمان مجتمعا وبشكل قانوني كي تسلم لها وزاراتها. وكان البرلمان دعا كافة اعضائه إلى الالتحاق مجدداً للتصويت على الثقة للحكومة التي ستتشكل في وقت قريب برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
وقال الدبيبة: «نجحنا في تغليب الحل السلمي على أدوات الحرب والصراع وملتزمون بتوثيق علاقات ليبيا مع الدول الشقيقة والصديقة بما يخدم المصلحة الوطنية». مضيفاً إن الفشل في «المرحلة الحساسة» التي تعيشها ليبيا حاليا «ليس خيارا»، داعيا جميع الأطراف إلى الالتفاف حول الحكومة. كما شدد على أنه سيلتزم بما وعد به خلال اللقاءات مع بقية الأفرقاء السياسيين، وأنه يتقبل أي نقد أو نصيحة من الليبيين، مضيفاً «أنا منكم فلا تقسوا علي كثيرا». مؤكداً أنه سيعمل هذه الفترة بجدية على إصدار قرارات للحد من المركزية والعناية بالجنوب الليبي. وقال:«قد نختلف وقد لا نتفق لكن لا مجال للإقصاء في ليبيا مهما كانت درجة الاختلاف».
وأضاف دبيبة أن السلطة ستعمل على «تعزيز دور المرأة وإتاحة الفرصة للشباب للإسهام في جهود بناء مؤسسات الدولة».
وكان دبيبة أعرب عن رغبته في إنشاء وزارة للمصالحة الوطنية وتقليص الفوارق بين مرتبات الموظفين وتقسيم البلد إلى مناطق أمنية، وحل مشكلة الانقطاع المطول للكهرباء خلال 6 أشهر. وتعهد أيضا بالعمل على إعادة كبار المستثمرين الأجانب الذين هجروا ليبيا بعد 2011، وخلق وظائف للشباب لا تكون بالضرورة في الجيش والشرطة.
وتابع: «سنبني معا بنفس الصلابة ليبيا الجديدة التي يتطلع إليها كل الليبيين».
من جهته، تحدث المنفي، مؤكدا أن العمل صعب، مع وجود عدد من الملفات والتحديات حتى إجراء الانتخابات وتسليم السلطة، ولكنه أعرب عن تمنياته بأن يكون هذا العمل جماعيا، قائلاً:«نحن وحدنا لا نستطيع فعل شيء».
ماذا حصل في جنيف؟
خسر تحالف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ووزير داخلية حكومة الوفاق في الغرب فتحي باشاغا، رئاستي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، خلال الجولة الأخيرة من انتخابات ملتقى حوار ليبيا بقيادة الأمم المتحدة في جنيف، أمام تحالف محمد المنفي وعبدالحميد الدبيبة، وهو ما سيقلب المشهد الليبي رأساً على عقب.
ففي تصويت شبع عقابي خسر تحالف عقيلة- باشاغا، في الجولة الثانية من التصويت بحصوله فقط على 34 صوتاً من إجمالي 73 عضواً في ملتقى الحوار، بالرغم من فوزهم في الجولة الأولى بـ25 صوتاً، التي احتلوا فيها المرتبة الأولى بين 4 قوائم.
لكن في الجولة الأخيرة حصلت قائمة المنفي والدبيبة على المرتبة الأولى في الجولة الأخيرة بـ39 صوتاً، وبفارق 5 أصوات عن القائمة المنافسة، ما يعطيها الشرعية لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي تنتهي في 24 ديسمبر، بعد انتخاب رئيس وبرلمان جديدين.
ويتوجب على رئيس الحكومة المكلف عبد الحميد الدبيبة، تشكيل حكومته خلال 21 يوماً، وإذا لم يمنح البرلمان ثقته للحكومة خلال مدة محددة ينتقل الأمر إلى ملتقى الحوار.
من هم قادة ليبيا الجدد؟
القائمة الفائزة بقيادة السلطة الجديدة تتشكل من أربعة أعضاء، محمد المنفي (45 عاماً)، رئيس المجلس الرئاسي الذي سيخلف فايز السراج. وكان المنفي سفير حكومة الوفاق لدى اليونان (2018 – 2019) وانتخب في 2012، عضواً في المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) بعد الثورة، ثم عضواً في المجلس الأعلى للدولة نهاية 2015، بعد التوقيع على اتفاق الصخيرات السياسي. وهو حاصل على درجة الدكتوراه من كلية الهندسة في جامعة طبرق.
أما رئيس الحكومة المكلف عبدالحميد الدبيبة، فهو رجل أعمال معروف في مدينة مصراتة، التي تملك أقوى الكتائب في الغرب، التي كانت داعمة لحكومة الوفاق. وهو مدعوم من قوى التيار المدني وعلى رأسهم عبدالرحمن السويحلي، الشخصية النافذة في مصراتة، والرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، وخال نائب رئيس المجلس الرئاسي الحالي أحمد معيتيق.
النائب الثاني لرئيس المجلس الرئاسي الجديد عبدالله اللافي، نائب في مجلس النواب عن مدينة الزاوية، التي تمتلك إحدى أقوى كتائب الغرب، ولعبت دوراً رئيسياً في حماية طرابلس من هجوم الجيش بقيادة اللواء خليفة حفتر. ويرتكز مشروع اللافي على تحقيق الأمن والاستقرار، ثم التوجه إلى المصالحة، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية والدفع بدماء جديدة، والالتزام بمخرجات الحوار السياسي.
أما موسى الكوني فهو العضو الوحيد من بين 9 أعضاء في المجلس الرئاسي المنتهية ولايته، الذي سيحافظ على منصبه نائباً لرئيس المجلس، رغم أنه استقال منه في 2017، بعدما ترك مقولته المشهورة «الكل يحكم ولا أحد يسيطر».
والكوني من الشخصيات السياسية النافذة لدى قبائل الطوارق، المنتشرة في الجنوب الغربي، خاصة بمدينتي أوباري وغات بالقرب من الحدود مع الجزائر.
توحيد الشرق والغرب
وقد حصد انتخاب السلطة الجديدة في ليبيا أمس ترحيبا دوليا واسعا، وأبدت الدول تطلعها لبزوغ فجر جديد في هذا البلد الذي غرق في الحرب والخلافات.
ورحبت حكومات ألمانيا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا في بيان مشترك بالحكومة الانتقالية لكنها مع ذلك حذرت من أن الطريق «لا يزال طويلا» حيث سيتعين على السلطة الموحدة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتوفير خدمات عامة أساسية للشعب الليبي وإطلاق برنامج مصالحة هادف والتعامل مع احتياجات الميزانية العامة وإطلاق مسار المصالحة الوطنية، وتشكيل مفوضية وطنية عليا للمصالحة لتنفيذ المهام الواردة بالمادتين 2 و6 من خارطة الطريق.
وأهم خطوة تحققت بانتخاب المنفي والدبيبة هي توحيد السلطة التنفيذية، بعد حل بقية الأجسام الموازية. فالمجلس الرئاسي المنتخب المشكل من 3 أعضاء (المنفي واللافي والكوني) سيخلف المجلس الرئاسي الذي يقوده السراج، والمشكّل من 9 أعضاء، 4 منهم استقالوا. كما أن الحكومة التي يترأسها السراج أيضاً ستقدم استقالتها، ليتولى الدبيبة تشكيل حكومة جديدة دون أن يكون عضواً في المجلس الرئاسي.
في الشرق سيكون رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثني مجبراً على حل حكومته، وتسليم سلطاتها لحكومة الوحدة بقيادة الدبيبة، ما يساعد على توحيد جميع المؤسسات الرئيسية مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.
في حين تبقى المهمة الأصعب توحيد الجيش، وهي ملقاه على عاتق لجنة 5+5 العسكرية التي ترعاها الأمم المتحدة. أما المهمة الرئيسية لحكومة الوحدة الوطنية وللمجلس الرئاسي الجديد فتتمثل في تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعدها المحدد، خلال مدة قصيرة لا تتجاوز 10 أشهر.