تقارير

إسبانيا: كيف تعمل الأخبار المزيّفة على تهميش الأقليّات

جان ماري توما-

تبحر مجموعة من الشباب العرب عبر البحر الأبيض المتوسط ​​بحثًا عن حياة جديدة في إسبانيا.
ولكن انتشر فيديو عبر مواقع التواصل الإجتماعي، يظهر شباب يقتربون من الشواطئ الإسبانيّة يهتفون: « سوف نقطع أعناق كل الإسبان غير المخلصين الذين لا يمدحون النبيى محمد». وكان أحدهم يحمل سكّينًا.

علّق أحد مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي قائلًا: «هذا المشهد يبدو تهديدًا شديدًا. هذا أمر مخيف والسياسيّون هنا سعداء فقط للسماح لهم بالدخول».

كما علّق آخر: «وصمة عار. هل يمكنكم أن تتخيّلوا أن الرجل الذي يحمل السكين، سيكون أحد أولئك الذين يذبحون المسيحيين في الكنيسة؟ نضعهم في فنادق بإقامة كاملة، وإذا تحدثت، فأنت فاشي أو عنصري».

بعد كل هذه البلبة، سرعان ما اتضح أن محتوى الفيديو كان مزيفًا.
في الواقع، تم تغيير الغرض من الفيديو وإرفاقه بترجمة خاطئة من أجل الترويج له على الإنترنت كأداة للكراهية، وفق ما ورد في موقع «Middle east eye».

أظهر القليل من البحث والاستخدام الذكي لتطبيق التعرّف على الأغنية أن الشباب في الفيديو كانوا في الواقع يغنون مع الأغنية الجزائرية الناجحة «باي باي سلام».

الفيديو هو واحد من العديد من الأخبار الكاذبة التي انتشرت مؤخرًا في إسبانيا بهدف مهاجمة المهاجرين، ومعظمهم من العرب والمسلمين.

تقول الصحافيّة ومدقّقة حقائق الهجرة في «Maldita Migracion»، ناتاليا دياز: «الأكاذيب حول الهجرة تحاول تعزيز أربع أفكار رئيسية حول المهاجرين والمسلمين: إنهم خطرون؛ أن لديهم امتيازات عندما يتعلق الأمر بتلقي الرعاية؛ أنهم سيفرضون ثقافتهم؛ المؤسسات ستسمح لهم بذلك».

أخبار مزيّفة
تزامن انتشار الأخبار الكاذبة مع ارتفاع كبير في الهجرة. في عام 2019، شهدت إسبانيا رقماً قياسياً بلغ 748759 مهاجراً دخلوا البلاد. شكّل الكولومبيون، المغاربة والفنزويليّون أكبر ثلاث جنسيات مهاجرة على التوالي.

تشرح دياز، أنّ الأخبار الكاذبة عن المسلمين في إسبانيا مستمرّة وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأخبار المزيفة عن الهجرة. عندما يتعلّق الأمر بالأخبار الكاذبة عن الإسلام، فإن المواضيع الأكثر شيوعًا هي تلك التي تربط المسلمين بالعنف والإرهاب.

«هذه الأكاذيب لها هدف واضح يتمثل في تغيير جزء كبير من تصور المجتمع لهذه المجموعات، وهي تعزّز الحجج الزائفة التي ينتهي الأمر بتصديقها».

في السنوات الأخيرة، أصبح انتشار الأخبار المزيّفة مصدر قلق متزايد في جميع أنحاء العالم، وإسبانيا ليست استثناء.
تأسست منظمة Maldita migracion المستقلة لتقصّي الحقائق في عام 2017 من أجل مكافحة ارتفاع المعلومات المضلّلة وكشف الأخبار المزيّفة. أحد فروعها الأكثر ازدحامًا هو قسم الحصافية دياز الخاص بالهجرة.

منذ عام 2017 إلى عام 2020، حددت المنظّمة 321 خبرًا مزيّفًا متعلّقًا بالهجرة والدين. من بينهم، 168 يعتمدون فقط على الهجرة، و129 خبر له صلة مباشرة بالدين، و 70 بالمائة استهدفوا الإسلام حصريًا، وفقًا للتقرير.

ازداد عدد الأخبار الكاذبة المزيفة والمتعلقة بالأقليات الدينية باستمرار، حيث ارتفع من 25٪ في عام 2017 إلى 29٪ في عام 2018 وارتفع إلى 45٪ في عام 2019.

تقول مونيكا كاريون، مديرة المشاريع التربوية ومنسقة التحليل في مرصد الإسلاموفوبيا في وسائل الإعلام، أنّ «الهجمات لا تقتصر على الإنترنت وفي وسائل الإعلام فحسب، بل تُترجم هذه الهجمات أيضًا إلى اعتداءات جسدية على المجتمع. وهنا تكمن المشكلة، وهي أن الإسلاموفوبيا تعرض التعايش الاجتماعي للخطر».

الإسلاموفوبيا في تصاعد
شهدت إسبانيا زيادة في الكراهية المعادية للإسلام في السنوات الأخيرة، والتي يربطها كثيرون بالهجمات الإرهابية في عام 2017 التي ضربت برشلونة وكامبريلز والتي أسفرت عن مقتل 16 شخصًا.
كشفت وزارة الداخلية أن حالات الكراهية المعادية للإسلام في إسبانيا ارتفعت بنسبة 120% بين عامي 2017 و2019.

ومع ذلك، تعرّضت الوزارة لانتقادات بسبب عدم التزامها بمعالجة الإسلاموفوبيا. عند إطلاق خطة عملها لمكافحة جرائم الكراهية في عام 2018، اختارت الوزارة عدم تصنيف الإسلاموفوبيا كجريمة كراهية محددة، حيث اعتبرها وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا «غير ضروري»، وفق ما ورد في موقع «Middle east eye».

تتباين المعلومات الخاصة بالكراهية المعادية للإسلام، حيث غالبًا ما تنتج الهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية المستقلة نتائج مختلفة. سجلت منصة المنظمة المستقلة «المواطن ضد الإسلاموفوبيا»  546حالة من حالات الإسلاموفوبيا في عام 2017، أي أكثر من خمسة أضعاف الحالات التي أبلغت عنها الحكومة.

شهادات أفراد
هدى مهدي هي واحدة من مليوني مسلم يعتبرون إسبانيا وطنهم، وقد عاشت في البلاد لمدة 13 عامًا. تتذكّر أن منذ انتقالها إلى إسبانيا، تعرضت لسوء المعاملة بسبب ديانتها: «لقد واجهت الإسلاموفوبيا في العديد من السيناريوهات اليومية وفي جميع المجالات: في مكان العمل، في حياتي الأكاديمية أو حتى عند استخدام وسائل النقل العام».

وفقًا للمرصد الحكومي للعنصرية وكراهية الأجانب، تعرّض 87 بالمائة من المسلمين للتمييز أثناء العثور على سكن و83 بالمائة عند العثور على عمل في إسبانيا.

تقول مهدي: «على مدار السنوات، كان الوضع يزداد سوءًا… يحدث هذا الأمر أكثر فأكثر وأصبحت الإسلاموفوبيا أكثر تطبيعًا وتحملًا». وتابعت: «في إسبانيا اليوم تتزايد بطريقة سريعة جدًا جدًا بفضل كل الأشخاص الذين يدعمونها أو ببساطة لا يقفون في وجهها».

كشف تقرير حكومي أنّ المغاربة هم الفئة الديموغرافية الأكثر استهدافًا، حيث يتحملون 7.8٪ من جميع جرائم الكراهية في إسبانيا. كما تزداد احتمالية توقيف المغاربة من قبل الشرطة ستة أضعاف مقارنة بالإسباني، بحسب شرطة البلدية.

في السياق نفسه، حمزة (ليس اسمه الحقيقي) يمتلك متجرًا صغيرًا للفواكه في ضواحي مدريد ويعيش في إسبانيا منذ 16 عامًا بعد انتقاله من المغرب.
يقول، وهو يزن حفنة من الموز لأحد العملاء: «لحسن الحظ لم أتعامل مع الإسلاموفوبيا، ولكن ربما لأنني حاولت جاهدًا أن أتأقلم معه».

محرومون سياسيًّا
في عام 1992، أبرمت الدولة الإسبانية اتفاقية مع الجالية المسلمة في البلاد من أجل ضمان التكامل والتمثيل المتساوي داخل المجتمع الإسباني.

لكن بعد أكثر من 25 عامًا، فشل المجتمع المسلم في الحصول على العديد من الحقوق الأساسية التي كان من المفترض ضمانها.

في الأسبوع الماضي، شهد حزب «Vox»، اليميني المتطرف حظر حسابه على تويتر بتهمة «التحريض على الكراهية» ضد المسلمين بعد إطلاق حملة عبر الإنترنت تحت وسم «#StopIslamisation»

كان للناشطة أورورا علي، رأي واضح، عما إذا كانت تعتقد أن الجالية المسلمة في إسبانيا مندمجة سياسيًا: «لا لا، على الإطلاق… كثير من المسلمين ليس لديهم حتى الحق في التصويت. كان اليسار أملنا الوحيد لكنهم كانوا يعاملوننا معاملة سيئة على مدى السنوات الماضية».

لإحراز تقدّم، تعتقد علي أنه يجب إنشاء مؤسسة تمثيلية للمجتمع الإسلامي للبناء عليها. «يجب أن يأتي التغيير من داخل المؤسسات الوطنية والتشريعات القائمة. لو كان لدينا دعم قانوني وتشريعي، فما كان ليحدث كل هذا لنا…لكن في الوقت الحالي كل شيء يتعارض معنا لأننا لا نمتلك حماية قانونية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى