تقارير

رئيس رواندا: العالم بأسره سيعاني ما لم يحصل الأفارقة على اللقاحات

«أفريقيا لا تتسول من أحد.. والشفافية في التوزيع ضرورة ملحّة»

علي حمدان –

أكد الرئيس الرواندي بول كاغامي أن العالم بأسره سيعاني ما لم يتمكن مواطنو الدول الأفريقية من الحصول على لقاحات كورونا التي يحتاجونها، معتبرا أن الوصول العادل للقاحات على مستوى العالم خلال فترات الجائحة ليس فقط «مسألة أخلاقية»، بل هو «ضرورة اقتصادية» لحماية رفاهية الناس في كل مكان.

تعكس الطريقة التي يتم فيها توزيع اللقاحات المضادة للفيروس التاجي على الدول التناقضات الجيوسياسية التي تحكم النظام العالمي منذ عقود. إحجام الدول النافذة والثرية عن تزويد الدول النامية باللقاح، بالإضافة إلى ادخار بعضها الجرعات عبر شراء كميات تزيد على حاجتها سيدفع المناطق الأكثر فقراً لا سيما القارة الافريقية الى ذيل طابور الاستحصال على لقاحات، إن لم يضعها خارجه نهائياً، بحسب المقالة التي نشرها رئيس دولة روندا في الـ«غارديان».

احتكار بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية للقاحات غير مقبول، رغم تفهمنا لإصرار قادة الغرب السياسيين على تلقيح شعوبهم قبل تصدير الجرعات إلى الخارج، إلا أن إجبار المجتمعات الفقيرة على انتظار انتهاء حكومات الشمال من تزويد مواطنيها بالطعوم ينم عن قصور في الرؤية، فتأخير وصول اللقاحات لهذه الدول سيؤدي إلى عواقب وخيمة تتجلى باستشراس الفيروس ومساعدته على التحور وتطوير نفسه، وبالتالي ظهور سلالات أكثر خطراً وأشد فتكاً، وتدهور اقتصادات المزيد من الدول حول العالم، وعليه تضع العواصم الغربية باستراتيجياتها اللقاحية السلامة العامة والاقتصاد العالميين على المحك، بالإضافة إلى عرقلتها للعمل على إنجاز أهداف لائحة منظمة الأمم المتحدة المئة للتنمية المستدامة، التي من المنتظر اتمامها بحلول عام 2030.

في ضوء ذلك، نستطيع استخلاص أن إنفاق بضعة مليارات على توزيع اللقاحات على الدول النامية في أفريقيا وخارجها من شأنه إنقاذ الاقتصاد العالمي والتجارة والتمهيد من أجل النهوض وترميم ما أفسده تفشي الفيروس منذ عام وحتى الآن.

بادرت مجموعة دول العشرين في العام الماضي إلى تجميد سداد ديون الدول الفقيرة، مما ساهم في تخفيف الأعباء عنها، لا سيما الدول الأفريقية التي تمكنت من شراء المستلزمات الطبية اللازمة لمكافحة الجائحة وتدعيم أمنها الاجتماعي، وبالتالي أدت مبادرة مجموعة العشرين إلى تجنيب هذه الدول ظروفاً أسوأ. يجدر بنا التحلي بروح التضامن الدولي عينها في ما يخص تزويد الدول الأقل حظاً باللقاحات، مما سيعود بالفائدة عليها بشكل مباشر وعلى النظام العالمي عموماً.

منظمة الصحة العالمية، من خلال منصة كوفاكس لدعم الدول النامية، وعدت بتزويد العواصم الأفريقية بـ%20 من نسبة الجرعات التي تحتاجها فور بدء إنتاج الشركات المصنعة للقاحات، لكننا الآن وبعد شهرين على انطلاق حملات التطعيم في الدول القادرة لم نتلق جرعاتنا، ونحيا على وعود بوصول قسم منها في وقتٍ لاحق من فبراير الجاري.

على صعيدٍ آخر، قامت إحدى الشركات المصنعة بتحديد كلفة تسليم الجرعة الواحدة بـ37 دولاراً للدول الافريقية متذرعةً بارتفاع كلفة الجرعة كلما تقلصت الكمية المطلوبة. في الوقت عينه صرحت إحدى دول القارة السمراء مؤخراً بطلب شركة مصنعة للقاح لأضعاف الأسعار التي سلمت على أساسها لقاحاتها للاتحاد الأوروبي، وعليه، ينبغي على دول الشمال الثرية مساعدة افريقيا في الاستحصال على ما تحتاجه من جرعات بأسعارٍ عادلة، ففي أوقات الكوارث والأزمات تجرم القوانين الدولية رفع الأسعار واستغلال الشعوب، وعلى الشركات المصنعة للقاحات التزام هذه القوانين. هذا وفي حال توجه الشركات لتسليم لقاحاتها بأسعار غير مبالغ فيها ستستطيع دول افريقية كثيرة دفع أثمان ما تحتاجه من جرعات بنفسها.

في هذا السياق، لابد من الإشارة إلى مبادرة الاتحاد الافريقي ومصرف أفريكسيم إلى تأسيس منصة افريقيا الطبية التي استطاعت تأمين ملياري دولار للجهات المصنعة، وقامت بالتفاوض معها على شراء 270 مليون جرعة، إلا أن عدد الجرعات هذا لا يكفي لتلقيح %60 من الكتلة السكانية الافريقية، وبالتالي لن يساعد سلطات القارة الصحية على بلوغ مناعة القطيع، ناهيك عن عدم إخطار الجهات المنتجة للقاحات بتاريخ تزويد عواصم أفريقيا بجرعاتها حتى الآن.

في المقلب الآخر، تبدي دول كالصين وروسيا نيتها تزويد القارة باللقاحات، وهي تصلح كبديل عن لقاحات الغرب المستعصية، إلا أن عدم توثيقها من قبل منظمة الصحة العالمية يحول دون التمكن من الاستحصال عليها، وعليه يجدر بالمنظمة التعجيل في البت في فعالية لقاحات موسكو وبكين لما في ذلك من منفعة عامة.

افريقيا لا تتسول لقاحاتها من أحد، كل ما نطلبه هو الشفافية والعدل في عملية توزيع اللقاحات على الدول. فتزويد الحكومات بالجرعات بشكلٍ متوازن يحمي الاقتصاد والأمن الصحي حول العالم، ناهيك عن كونه مسألة أخلاقية بامتياز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى