تحليلات

بايدن وخامنئي.. من يثبت أولاً؟

أمام إيران خيارات صعبة.. وشروطها غير قابلة للتطبيق أميركياً

محمد مجيد الأحوازي-

لعبة شد الحبال بين الولايات المتحدة وإيران حول العودة إلى الاتفاق النووي احتدمت، وبات كل طرف يحشد خلفه نقاط قوته، وبات السؤال هو من يثبت أولاً في هذه اللعبة ويفرض شروطه، لاسيما أن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن في خطاب تحديد سياسته الخارجية ان قيادة اميركا للعالم ستكون من منطلق القوة، والأحد أعلن بايدن في لقاء مع قناة «سي بي إس» أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن ‫إيران، قبل وقفها خروقاتها للاتفاق النووي، بينما أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي في اليوم نفسه، خلال لقائه قادة الجيش، أن إيران لن تتراجع عن خطواتها النووية إلا بعد أن ترفع ‫الولايات المتحدة  العقوبات.

هذان التصريحان لزعيمَي البلدين قد يشيران إلى انهيار الاتفاق في وقت قريب جداً، حيث إن خامنئي وضع شروطاً لعودة إيران إلى التزاماتها، وهي شروط شبه تعجيزية بالنسبة للإدارة الأميركية، التي أعلنت موقفها الرافض لهذه المقايضة غير القابلة للتطبيق.

مسؤول في البيت الأبيض أوضح أن بايدن يدعم الدبلوماسية في التعامل مع التهديد الذي يمثله «النووي» الإيراني، لكنه لن يَعرض تخفيف العقوبات على طهران لمجرد إعادتها إلى طاولة المفاوضات.

وقال إن بايدن كان يقصد أنه يجب على إيران وقف التخصيب بما يتجاوز الحدود المنصوص عليها في الاتفاق، لا أن توقف التخصيب تماماً، حتى يمكن للجانبين التفاوض، مضيفاً أن الموقف الأميركي لن يتغير قيد أنملة، فالولايات المتحدة تريد أن تعود إيران إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، وإذا فعلت ذلك، فستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه.

من جهته، يتمتع خامنئي بالسيطرة الكاملة على السياسة الخارجية، وبضوء أخضر منه أُبرم الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الست في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وفقاً لتصريحات الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.

ووضع خامنئي، الأحد، شرطاً قاطعاً لعودة البلاد إلى التزاماتها، لكن بعد تصريحات بايدن الرافضة لرفع العقوبات، فليس أمام المرشد أي آفاق لتحقيق ذلك.

خامنئي قال في اجتماعه السنوي مع قادة القوات الجوية: «إذا أرادت إيران العودة إلى التزاماتها فعلى الولايات المتحدة رفع العقوبات عملياً، وليس على الورق فقط، وبعد ذلك سنراقب ونتحقق، ثم نعود الى التزاماتنا»، معلناً بأن هذا القرار يمثل «سياسة نهائية لا رجعة عنها بالنسبة لإيران، وأن «هناك إجماعاً شاملاً حول هذا القرار لدى جميع المسؤولين في البلاد».

وبعد تصريحات خامنئي، قال ظريف إنه لن تكون هناك مفاوضات جديدة بشأن الاتفاق، والإدارة الأميركية تعلم أنها غير قادرة على الحصول على اتفاق أفضل، كون مسألة الصواريخ البالستية قد نوقشت عام 2015، لكن لم تكن واشنطن قادرة على معالجة هذه المسألة.

وضع معقَّد

وهدد ظريف أن بلاده ستنفذ قانوناً سَنّه البرلمان، بوقف العمل بالبروتوكول الإضافي، إذا لم ترفع واشنطن العقوبات.

وفي ظل تدهور اقتصادها، تحاول طهران في المرتبة الأولى اتخاذ إجراءات وقرارات تتناسب مع مصالحها الاقتصادية بالتنسيق مع موسكو. وتأتي زيارة رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف إلى روسيا ضمن هذه السياقات، التي ستحدد مصير الاتفاق النووي خلال الأشهر القليلة المقبلة. فقد نقل قاليباف – مبعوثاً من خامنئي – رسالة موجهة إلى الرئيس فلاديمير بوتين، حيث سلّمها إلى رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فالودين.

وقالت وسائل إعلام إيرانية إن الرسالة تتمحور حول مواقف النظام الصريحة من الاتفاق النووي، والعلاقات الاقتصادية مع روسيا، ومبيعات النفط والملف السوري.

وعلمت القبس من مصادر مطلعة في طهران أن الرسالة تتمحور حول انسحاب ايران من «البروتوكول الاضافي» بموجب الاتفاق النووي، الذي سيفضي إلى طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية من إيران وتخصيب اليورانيوم بنسبة %20.

ومع ذلك، فإن شروط خامنئي الجديدة ستزيد من تعقيد الوضع، ولا يبدو من الواقعي أن الولايات المتحدة ستنفذ هذه الشروط وترفع جميع العقوبات، ثم تنتظر حتى تعلن إيران عن مدى رضاها عن سياسة الولايات المتحدة تجاهها.

وحتى لو رفعت الولايات المتحدة جميع العقوبات التي فرضت في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فلن يكون ذلك سهلاً، حيث فرضت على العديد من المؤسسات والمنظمات والشركات الإيرانية، التي كانت خاضعة لعقوبات نووية، عقوبات أخرى تتعلق بمكافحة الإرهاب، ورفع كل هذه العقوبات يستغرق وقتاً طويلاً، ويمكن أن ينتهك قانون حالة الطوارئ الذي اتبعته الولايات المتحدة ضد إيران منذ 42 عاماً.

لذلك، مع اقترابنا من الموعد النهائي الذي أعلنته إيران لخفض مستوى عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والاستمرار في تخصيب اليورانيوم بنسبة %20، ينبغي أن نتوقع أن تتوتر الأجواء في الأسابيع القليلة المقبلة بين إيران من جهة، وواشنطن وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى.

الوساطة الفرنسية

ويبدو أن حلقات الحوار الأميركي – الإيراني حول الاتفاق النووي مُستَحكمة، فكلما انفرجت معضلة ظهرت أخرى، وفي أحدث الخطوات، رفضت إيران طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التوسط بينها وبين أميركا، موضحة أن «الاتفاق لا يحتاج إلى وسيط».

وقال الناطق باسم «الخارجية» سعيد خطيب زادة إن «الدول الأوروبية الثلاث شريكة مع أميركا في نقض العمل بالتزاماتها المقررة في الاتفاق».

وسبق لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن دعا الاتحاد الأوروبي إلى التوسّط بين بلاده والولايات المتحدة لإنقاذ الاتفاق، متحدثاً عن إمكان وضع «آلية» إما لعودة «متزامنة» للبلدين إليه، أو «تنسيق ما يمكن القيام به».

وبعد تصريحات بايدن عن رفضه رفع العقوبات، ستكون طهران أمام خيارات غاية في الصعوبة، وقليلة جداً، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد، فسياسة الصبر الإستراتيجي قد تنجح في حياكة السجاد الإيراني الفاخر، لكنها لن تنجح في البرنامج النووي، وقد تجلب لطهران عقوبات جديدة، أو هجمات غير متوقعة تستهدف منشآتها النووية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى