هل نجحت الصين في تقسيم القارة الأوروبية؟

علي حمدان –
لم يحسن الاتحاد الأوروبي استغلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي احتقر بروكسل والناتو والمنظمات الدولية وأضعف قيادة الولايات المتحدة الأميركية للعالم.
أضاع الأوروبيون فرصة صوغ سياسات خارجية استراتيجية تملأ الفراغ الذي تسبب به انكفاء البيت الأبيض، وفضلوا الاكتفاء بانتقاد الإدارة الأميركية والاستفاضة بالحديث عن سوء سياسات ترامب، عوضاً عن العمل المشترك من أجل استعادة مكانة قارتهم الريادية، وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى الدور الذي سعى للعبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل تعزيز مكانة بلاده وأوروبا، لكنه فشل، بحسب مقالة نشرها مركز كارنيغي أوروبا.
استراتيجية مفقودة
وهن السياسات الخارجية الأوروبية ظهر خلال زيارة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إلى موسكو قبل أسبوع، حيث تفتقر سياسة بروكسل الخارجية للاستراتيجية والهدف الموحد، فالعواصم الأوروبية بما فيها برلين، تحجم عن دعم بوريل وتمكينه من أجل لعب دور محوري يعود بالفائدة على الأعضاء، تماماً كما فعلوا مع أسلافه الذين لم يحظوا بدعم كافٍ.
على عكس البيان الواثق والمتعاون جزئياً الذي صدر عن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، قام بوريل فور عودته من العاصمة الروسية، والتي تمت معارضتها من قبل بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالتدوين دفاعاً عن الرحلة مما كشف عن حجم التباين داخل البيت الأوروبي وتشتت الرؤى.
«السلطات الروسية لا تريد تفويت فرصة الانخراط في حوار بناء مع الاتحاد الأوروبي. لم يتوقع ذلك كثر، وعدم مبادلتها الرغبة بالحوار سيرتب علينا تداعيات»، بهذه الكلمات ذيل بوريل منشوره بعد زيارته لروسيا التي شهدت مؤتمراً صحفياً ثنائياً عالي النبرة أعقبه طرد الكرملين لثلاثة دبلوماسيين أوروبيين على خلفية مشاركتهم في تظاهرات مناصرة للمعارض أليكسي نافالني.
لم يحدد الأفرقاء الأوروبيين أهداف الحوار وشكل العلاقة التي يبتغونها مع روسيا، والتي تدرك جيداً ماذا تريد من بروكسل؛ علاقات ثنائية مع كل العواصم الأوروبية، تماماً كما تفعل مع ألمانيا على المستويين الاقتصادي والسياسي.
مواقف فاترة
غياب الوضوح في أهداف السياسة الخارجية الأوروبية، والتوافق على مصالح موحدة بين أعضاء الاتحاد، يصب في مصلحة دول كالصين وروسيا وغيرها من الأطراف المستفيدة من تشرذم عواصم القارة العجوز، لعقد صفقات ثنائية معها تضمن مصالحها الخاصة لا مصالح القارة.
في المقابل تستمر أوروبا بتكرار مواقفها الفاترة تجاه قضايا حساسة، كالحكم بالسجن على السياسي الروسي المعارض أليكسي نافالني ومحاولة اغتياله بالغاز السام، وهجمات موسكو السيبرانية على البرلمان الألماني، وتهديدات الصين بفرض حصارات اقتصادية على دول أوروبية، وقمع لوكاشينكو لتظاهرات شعبه وغيرها.
على صعيد آخر تمكنت الصين من عقد لقائات دورية مع مجموعة دول من أوروبا الوسطى والشرقية ودول البلقان لتعزيز علاقاتها السياسية والإقتصادية معها.
واستطاعت الصين تحقيق مرادها بتقسيم القارة الأوروبية، وأخفق الاتحاد الأوروبي في تجنب أو مواجهة ذلك.
بالعودة إلى بوريل، الذي رأى بعد عودته من زيارة روسيا بأن اكتفاء العواصم الأوروبية بإطلاق التصريحات دون الإنخراط في مواجهة التحديات وعقد المحادثات مع الطرف الآخر في عقر داره وفي خضم الأزمات لن يعبر بالقارة إلى بر الأمان.
كلام بوريل عن ضرورة الحوار مع الأخصام مهم ويصبح فعالاً في حال تمكن الإتحاد الأوروبي من التوافق على قيم ومصالح وأهداف مشتركة أولاً، بحسب ما أوردته كارنيغي.